مذكرات مكافح من الطبقة الدنيا _ قصة قصيرة
بسم
الله الرحمن الرحيم
مذكرات
مكافح من الطبقة الدنيا
الكون
يدور بألوانه المتعددة حول ذلك الكوكب
الصغير ، كما يطيب لعلماء الأحياء تسميته
الكوكب الأزرق ، الذي يضم ملايين الملايين
من الكائنات الحية ، مرحبا قد لا تستطيعون
رؤية ابتسامتي العريضة ولكن صدقوني أنا
أبتسم ، ومن فرط ابتسامتي أنيابي ظاهرة
، أحدثكم من مقر عملي الدائم ، من ذلك
السجن العريض الذي يسمى عملا ، مجبر عليه
منذ أمد بعيد ، منذ أن اختطفني أرباب عملي
من والدي ، وأصبحت أسيرا لدى أرباب عملي
.
الأجور
زهيدة ، وللأسف طبيعة عملي تضطرني لمقابلة
الناس بشكل دائم اثنا عشرة ساعتا تقريبا
، كم تمنيت ولو لمرة واحدة أن أعيش في
عزلة بعيدا عن هذه الأحجار الاصطناعية
بعيدا عن المسئولين ، وبعيدا عن أمثالي
من الطبقة الكادحة زملائي في العمل ، لقد
لاحظت من مدة قريبة كم وجوههم كئيبة ،
كأنهم ليالي مظلمة ، وفوق هذا هم كسالى ،
ربما زملائي فالمكتب الآخر هم أكثر نشاطا
، ولنكن واقعيين هم ليسوا في مكتب بل في
قفص ولكنهم أكثر سعادة ونشاطا ، أعتقد
أنهم قرود .
وهاهو
صوت الجرس معلنا قدوم أفواج من البشر ,
كبار صغار
,
إناث وذكور
، من كل الجنسيات ، بلا أي احترام أو تقدير
لكينونتي ولمكانتي بين زملائي ، فأنا بلا
فخر محدثكم الأعلى مرتبة بينهم ، فأنا
صاحب المقام العالي والملك بين الرعية .
تبا
كان ذلك في الماضي السحيق ، عندما كنت مع
أبي وأمي في صغري أجري وألعب بلا حساب
للمستقبل ,
كنت في يوم
من الأيام قبل أن يختطفني أرباب عملي
والمشرفين علي ,
اركض في
المروج الخضراء حافي القدمين منفوش الشعر
وعاريا من الملابس بلا خجل ولا حياء .
لا
داعي للضحك عزيزي القارئ فأنت كنت مثلي
يوما من الأيام قبل أن تلبس الثياب وتتزين
بزينة الرجل المثقف والسيدة الراقية .
هذا
طفل أخر يشير إلي بأصبعه ويضحك ,
والآخر ينظر
إلي ويلتقط الصور ، وتعليقي المعتاد هو
التصوير ممنوع ، ولكن لا أحد يستمع لي ولا
حتى يفهمون كلماتي ، ضوء الكاميرات يزعجني
بشكل جنوني ، هل يظنوني تسلية لهم ؟ ,
هل يظنون
أنفسهم في السيرك ؟ .
والطريقة
الوحيدة التي ينتبهون لي هي الصراخ والزئير
، وهنا وكالعادة الأطفال يهربون ، الرجال
تفاجئون بغضبي والنساء يصرخن ، ومشرفي
المباشر ينهرني كالعادة .
ثورة
غضب انتابتني وصلت حدود الغضب المطلق ،
بسبب طفل أحمق رماني بزجاجة عصير ،
أين والديه من هذا التصرف الأحمق ، أين
مسئولي المتبجح بالنظم والقوانين ، أين
كرامتي التي أهدرتها هذه الحياة المذلة
.
لا
تستغرب أخي القارئ ، فعندما تعمل تحت مظلة
عمل بلا رابطة عمال تحميك ، ولا قوانين
تقيدك بساعات عمل معقولة ، ولا أجور تستحق
الذكر ، ووجبة طعام لا تعرف أي نوع من
اللحوم هو ، فأعلم أن أي طبيب نفسي سيخبرك
أن ساعة الانفجار باتت وشيكة .
هنا
تبدأ حكايتنا السعيدة لقد زمجرة غاضبا
ولا اعرف كيف صرت خارج مكتبي وعيناي
تشتعلان غضبا ، الغريب أنني لم أغادر
مكتبي إلا نادرا ونادرا تعني أوقات تنظيف
المكاتب من قبل عمال النظافة ، كم ذا أمر
سخيف ، لأول مرة أكتشف أن بإمكاني القفز
خارج مكتبي دون اللجوء لأوامر المشرف ،
النساء يركضن والآباء يحملون أبنائهم
بعيدا عن طريقي ، أردت أن اقتل أي شخص في
طريقي ، واخص بالذكر ذلك الطفل ومسئولي
المباشر .
من
بعيد رأيت أركان عامل النظافة وقد تبول
في سرواله من منظري ، هل تعلم أن الحيوانات
تشتم رائحة الخوف من فرائسها ، صدقني
عزيزي القارئ هذه المعلومة صحيحة ففي
حالة غضبي كنت أشم رائحة الخوف في كل مكان
وخصوصا من المسكين أركان عامل النظافة
صاحب الستين عاما .
أجل
عزيزي القارئ لقد شممت رائحة الخوف من
أركان عامل النظافة ، عندها شعرت بالفخر
القديم ، الفخر الذي سلبه مني مسئولي
المباشر والمكتب العفن والوجوه الكسولة
، الفخر الذي زرعه فيني والدي قبل أن تسرقه
مني الأبنية الإسمنتية والشوارع المعبدة.
من
الهمجية أن أضرب عامل نظافة ضعيف البنية
، ولكن ما باليد حيلة ، فكما قلت لكم أنني
في حالة ثورة غضب عارمة لا حدود لها .
قطارة
من دم أركان تسيل من جميع جسدي ، ولكي أوضح
لكم الصورة أكثر ، عندما ارجع اركان إلى
بلده في صندوق الموتى ، صعب على حفيده
التعرف على جثته ، وأبناءه أنكروا أن يكون
المرسل إليهم والدهم المسكين .
أين
ذلك المسئول النذل ,
هل تريدون
معرفة سبب غضبي الشديد منه ؟
إن
هذا المسئول الكريم كان يناديني ب بسبس
,
لو عرف أبي
إنني عملت بوظيفة أنادى فيها بلقب بسبس
لقتله العار .
جرس
الحريق يصيح ,
الموظفون
الذين يماثلونني في المرتبة يصيحون بي
من وراء مكاتبهم ، وجموع البشر التي كانت
تضحك علي قبل دقائق تهرب مني الآن .
وحانة
المواجهة مع قوات الأمن الخاصة بالمؤسسة
.
هل
تعلم أخي القارئ ماذا جرى ؟
أربعة
من القتلى وأنا واحد منهم ، لقد قتلت حارسي
أمن وعامل نظافة ولم اظفر بمسئولي المباشر
.
أربع
رصاصات والقاتلة هي التي أراحتني من عذابي
واستقرت في قلبي ، والمضحك أن احد الحارسين
مات بالسكتة القلبية من الخوف و أما الآخر
فقد أطلق على نفسه النار بالخطأ .
كم
هم ضعفاء وحمقى هؤلاء البشر .
هذه
حكايتي عزيزي القارئ ,
وإن أردت أن
تعرف لماذا إنا سعيد ومبتسم ,
فسأقول لك
أني حر .
فلم
تكن حياتي كأسد في حديقة الحيوانات ممتعة
منذ أن اختطافي من أحضان الغابة .
حياة
الذلة لا يرضاها أحد ..
وخصوصا ملك
الغابة
كتبها
dt-sherlock
8-10-2014
تعليقات
إرسال تعليق