مذكرات خادم _ قصة قصيرة

بسم الله الرحمن الرحيم






مذكرات خادم



رغم أني أنظر إلى الأرض جل أيام حياتي .. إلا أني أعشق النجوم .. أتساءل  أحيانا هل بإمكاني الطيران يوما ، لم أعرف يوما معنى الحرية ، كم تؤلمني هذه الأحمال , ولا يسعني سوى النظر إلى الأرض وأنا أحملها , وها هو يسير أمامي ذلك السيد عظيم الكرش ، لم يحاول يوما النظر إلى عيني ليرى مدى تعبي ، ليرى مدى صعوبة حمل هذه الأثقال ، ولم يسألني يوما هل تعبت ، لماذا لا ينظر السادة إلى عيون الخدم ، رغم ذلك فهو قليلا ما يضربني ، وعندما أفكر قليلا مع نفسي ، أجد نفسي لا أكره هذا السيد ، ولا أحبه ، بل حتى أني لا أكن له أي نوع من المشاعر ، لم يدر بيني وبينه منذ أن اشتراني أي حوار ، فقط عمل بلا أجر أو أيام راحة ، حفظت كل الحفر ، كل شقوق الأرض ، لقد مللت من هذا الطريق الطويل ، ومن سوء حظي أني وصلت درجة الجنون ، صرت أسمي الحجارة التي أمر بها ، صرت أنظر إليها بعين الحسد ، كم أرغب بأن أكون حجرا أصم ، لا يشعر بالذل ولا المهانة .
وصلت إلى أبغض بقعة على وجه الأرض , إلى حيث الناس ينظرون إلي باستحقار وتكبر ، كأنني لست مخلوقا حيا ، كأن كرامة الخدم صفر بهذا الزمان ، لكن ما باليد حيله ، فأنا خادم وتابع للسيد ، والسيد حر لا يكبل بالأغلال حتى لا يهرب ، ولا يسهر الليل يحلم بالحرية ، ولا ينظر إلى الأرض أكثر من السماء .
وبدأ الطواف بين المحلات بعرض البضاعة , بركن بعيد عن كل البشر أرى زملائي الخدم ، مكبلين بالأغلال ، والبائع ينادي بهم ، منهم الصغير الشاب ، ومنهم الكبير الهرم ، منهم من تربطني به علاقة دم , ومنهم من كان يوما صديقا لي .
الأحمال تخف شيئا فشيئا ، مع كل توقف وكل جدال بين سيدي وبين أصحاب المحلات يرتاح ظهري الشيء القليل ، كم أكره أطفال السوق دائما ما يرمونني بالحجارة ، وكم أكره نساء السوق إنهن يكرهنني بقدر ما أكرههن ، أرى ذلك الكره بعيونهن ، كم أكره رجال السوق دائما ما أجد بينهم من يرغب بشرائي ويدفع الأثمان العالية في سبيلي ، ورغم ذلك سيدي يرفض البيع ، ليس رغبة بإطلاقي ، ولكن رغبة منه بإبقاء الخادم الصامت بالقرب منه ، في الحقيقة كوني خادم الجميع يبتعد عني  ويشمئز من أن يكون بالقرب مني ، هذا ليس بالأمر السيئ كثيرا بالنسبة لي ، فأنا أحب أن يفسح لي الطريق ، حتى لا أعاني الأمرين من بطئ السير وكثرة الأحمال .
سيدي كعادته يصل إلى مقهى أبو أحمد ، كم أرغب بالجلوس بالقرب من سيدي حتى أنعم بالظل والراحة ، ولكن هيهات هيهات أن تكون لي الراحة والظل ، فأنا بموجب قانون السادة والخدم مكبل بالأغلال مع زملاء الكفاح أمثالي من الخدم ، نبكي على حالنا ونسلي أنفسنا بالضحك المصطنع .
لن أكذب على نفسي ، فسيدي لديه أسلوب رائع بسرد القصص وأنا أعشق أسلوبه رغم أنه لا يكترث لوجودي على قيد الحياة .
فهاهو الآن يسرد على الجميع مغامراته التي خاضها معي عندما رأى بنات الجن على جانب الوادي وهن يتسامرن بالليالي الصيفية ، هذه كانت حقيقة , نساء على جانب الوادي يتسامرن , ولكنني كنت أظن أنهن بنات الأنس , وبالأصح بنات الشيخ وبعض بنات القبيلة ، ولكن هذا ما صوره عقلي السخيف الذي لا يقارن بعقل سيدي النابغة .
حكايات سيدي لا تنتهي إلا مع انتهاء 8 أكواب من الشاي ، لقد تعودت أن أعد تلك الأكواب ، فلطالما حلمت بالجلوس هناك مع السادة وطلب كوب شاي وسماع قصص سيدي ، أحيانا الحياة لا تعرف العدل .
طريق العودة أكثر تسلية من الذهاب ، فمغيب الشمس أجمل منظر بالعالم أمام عيني ، و أنا لا أحمل سوى أكياس بسيطة من حاجيات بيت سيدي ، أما سيدي فهو فرح سعيد ويسمعني أبيات شعر ، أو بعض مشاريعه المستقبلية ، ربما لا يعلم أني أسترق الكلمات من شفتيه ، ولا يعلم أنني سعيد بتلك الكلمات البسيطة .
وبعد صلاة المغرب أصل إلى البيت مرهقا تعبا ، لا أقوى على حمل جسدي ، أدخل إلى مخدعي خافض الرأس أسحب أقدامي سحبا ، لأجد الماء أمامي وبعض الزاد .
_
أين الماء ؟؟
نادرا ما أدخل إلى مخدعي ولا أجد الماء , إني عطش ، وأرغب بشيء من الماء ، وسيدي لم يرى أن الماء مفقود ، هنا يجب علي أن أناديه ، كم أكره فعل هذا ولكن ما باليد حيلة ، إن لم افعل فسوف أموت عطشا .
استجمعت كل قوتي وبأعلى ما أوتيت من قوة أخذت أنهق و أنهق حتى سمع كل من بالقبيلة نهيقي ، عندها أتى سيدي وهو يحمل العصا ليؤدبني ولكن ما إن رأى أن الماء مفقود حتى فهم أنني عطشان , وعلم أني أريد بعض الماء .
ليست حياتي كحمار بالشيء السهل , ولكن هي حياة لا بد منها .



تعليقات

المشاركات الشائعة