السيد سيف وعزة _ قصة قصيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

سيف وعزة




رأيت شبحا على قارعة الطريق
رأيت شبحا بين القبور
رأيت شبحا يبكي بغير دمع
حلمت أني ألمس الشبح
ولكني خفت أن أكون شبحا والأشباح حقيقة
-------------------------------------------------------------------
_ هل شعرت يوما بهواء بارد يمر بك وأنت وحيد ، هل شعرت بأنك تسقط وأنت نائم على سريرك ، هل شعرت بأن شخصا يسحبك للخلف وأنت وحيد، إنهم ينادونك لكي يأخذوا الدين الذي تركته ورائك.
_ عليك اللعنة من قال لك أن تتصلي ، من أعطاك الرقم ، سأبلغ الشرطة ، وسوف تتعفنين بالسجن أيتها الساقطة .
_ لا علاج للموت ، وأمر الله قادم ، فأحسن خاتمتك ، قبل أن يأتي الموت ليأخذك .
_ سوف يأتي الموت إليك قبلي ، لعنك الله ....
أغلق السيد سيف الهاتف بقوة كبيرة ، وهو يتمتم بعبارات غير مفهومة ، لم يكن السيد سيف من أصحاب الأخلاق العالية أو من أصحاب التعليم العالي ، فهو أبن الشوارع كما يقال ، ورغم ذلك فهو من أصحاب الثروات الطائلة ، حيث قيل أن بإمكانه شراء نصف بغداد .
جلس السيد سيف على كرسي وثير واخذ سيجارتا من صنع كوبا  وأشعلها وأخذ يتمتع بالدخان وهو يتبخر في الجو ، رغم ذلك فقد كان فكره مشغولا بالفتاة عزة ، تلك التي نبذها المجتمع وقيل عنها ساحرة وقيل عنها مشعوذة والبعض يراها ممسوسة بمس من الجن، والبعض يراها صاحبة كرامات وجاه من الخالق ، والقليل من يراها فاقدة العقل ، ورغم ذلك كانت محط الأنظار على مدار سنين طوال ، فلطالما كانت تأتي بأكياس من الخبز تفرقه بين الفقراء والجياع ، رغم الحرب الدائرة ببغداد ، ولطالما رآها البعض تسير حافية القدمين وهي تجر عربة محملتا بأكياس الطحين ، ورغم أنها توزعه على الفقراء إلا أن الجميع يخافها حتى الفقراء الذين تحسن إليهم .
السيد سيف يحمل سلاحه ويخرج خارج منزله ، وينظر إلى الحديقة الواسعة ، التي كانت يوما من الأيام حديقة لملجأ زينب للأيتام , وقصر السيد سيف ما هو إلا منزل للأيتام قام بإعادة ترتيب أوراقه من جديد بحيث أن سند الملكية أصبح له بعد أن أستغل الفوضى التي حصلت بعد رحيل النظام السابق واحتلال الأمريكان للعراق ، وبعض الرشاوى هنا وهناك , قام السيد سيف بطرد كل من بالملجأ وأخذ المبنى والحديقة لنفسه .
جلس السيد سيف على كرسيه بالحديقة وأخذ يدخن ، لم تكن هنالك متعة بالدنيا توازي الدخان المنبعث من السيجار الكوبي المفضل لديه ، كان ينظر إليه وعيناه مستمتعة بذلك الدخان المتصاعد إلى الفضاء ثم يتلاشى ، ورويدا رويدا اخذ النعاس يتسلل لعيني السيد سيف ، فيقرر العودة إلى غرفته .
قام السيد سيف من مكانه ، ثم أخذ نظرة خاطفة على الحديقة ، ثم وضع يده على الطفلة التي تقف بقرب كرسيه بكل هدوء ، ثم مضى بضع خطوات ليتجمد مكانه و تجحظ عينيه ، لقد وضع يده للتو على رأس طفلة ، ولكنه لا يربي أي أطفال بقصره ، ألتفت السيد سيف وهو يصوب سلاحه إلى الفراغ ، لم يكن هنالك أي شخص ليصوب عليه .
صعد السيد سيف درجات السلم وهو يتصبب عرقا ، كان يحاول جاهدا أقناع نفسه بأن ما كان مجرد وهم ، أو أنه تأثير أنتجته خرافات عزة .
على فراشه قد استلقى وأخذ الناحية المفضلة لديه ، الجنب الأيسر من السرير ، لم يكد السيد سيف يغمض عينيه حتى سمع ضحكات طفلة ، كان الصوت كأنه يقدم من أعماق رأسه ، ورويدا رويدا أصبح أكثر وضوحا وأكثر سمعا للسامع ، اخذ السيد سيف ينظر من تحت الغطاء إلى أرجاء الغرفة ، لم يجد أحدا حوله ، حاول الإنصات أكثر ، لقد كان مصدر الصوت قريبا جدا منه ، أكثر مما كان يتخيل السيد سيف بكثير، لقد كانت الطفلة تحت الغطاء الذي يتدثر به السيد سيف ، نظر السيد سيف إليها لقد كانت طفلة ذات شعر أحمر ناري ، وثوب أحمر ممزق ، لقد عرفها جيدا إنها نجلاء أحدى فتيات الملجأ التي قام بطردهم ، ولم يطل عمرها كثيرا ، لقد ماتت هي وبقية الأطفال و مشرفة الملجأ تحت الجسر الشمالي ببغداد نتيجة قصف عشوائي من الأمريكان .
قفز السيد سيف من السرير وأخذ يركض خارجا ، وللسخرية لم يكن يحفظ السيد سيف آية واحدة من القرآن الكريم , ولم تسعفه ذاكرته أبدا .
في الحديقة أطفال كثر يلعبون بالكرة ومنهم من يقفز على الحبل ومنهم من يبكي وهو ممسك بثوب فتاة تجلس على كرسي ، لم يكن منظر الأطفال لطيفا أبدا ، لقد كان بعضهم بنصف رأس والبعض محترق الجسد ومنهم من كان بلا ساق ، ومنهم من به فتحة ضخمة بنصف صدره ، عندما رأى الأطفال السيد سيف قفزوا إليه جميعا فرحين ، لقد اخذوا يعانقونه مثلما فعلوا أول مرة عندما أتى لهم بالهدايا ولم يكن يعلم أحد حينها نوايا السيد سيف بالاستيلاء على الملجأ .
لقد شل الخوف السيد سيف ولم يستطع الكلام، ولا الصراخ ، ولا البكاء ، لقد أعجزه الأطفال ، كانت الدموع تجري من عيني السيد سيف ، وخيط من الدماء يسيل من أنفه ، أما السيدة التي تجلس على الكرسي فقد وقفة وأخذت تبتسم ، لقد كانت تحمل ابتسامة لطيفة ، لولا جسدها المتحرق والشبه متفحم .
ومن بعيد فتح باب الحديقة لتدخل فتاة يعرفها جيدا السيد سيف ، إنها عزة الفتاة التي لطالما كرهها السيد سيف ، وعندما وقعت عينيه عليها مد يده إليها كأنما يطلب المساعدة ، ولكن عزه لم تستجب كانت تقف بعيدا وتراقب ذلك المنظر ، أطفال مشوهون يتعلقون بالسيد سيف ، كأنما هو والدهم الغائب أو أنه أن أمل قادم ، ثم تبادلت عزة الابتسام مع مشرفة الملجأ وحنت مشرفة الملجأ رأسها قليلا احتراما لعزة .
-----
البارحة رأيت شبحا
اليوم رأيتك أنت
أعلم أنك شبح
بعالم الأشباح
أعلم أني شبح
بعالم الأشباح

-----
باليوم التالي وجد السيد سيف ميتا ، وقد صنف موته على انه موت نتيجة توقف القلب ، ولأسباب مجهولة .
لكن حكايات الأطفال والملجأ لم تمت حيث أن الجميع أخذ يقسم على رؤية الأطفال والسيد سيف يلعبون بحديقة الملجأ ، وعندما يمر أحد بالليل من ذلك المكان يرى الأطفال والمشرفة يدورون حول السيد سيف .
أما عزه فقد كانت كعادتها توزع الخبز وبعض الطعام على الفقراء ، ولم يتجرأ أحد على سؤالها عن ما تفعله أو من أين أتت به ، حتى الجنود الأمريكان كانوا يخشون رؤيتها ، ولسبب ما لم يتم توقيفها ، أو سؤالها عن هويتها أو حتى إن كانت حقا موجودة أم هي من نسج الخيال .


الثاني من رمضان
الموافق
23-8-2009



تعليقات

المشاركات الشائعة