الشياطين الصغار
مرحبا عزيزي القارئ ، على ما يبدو أنك لا تمل من زيارتي ، صدقني أنا مستمتع بوجودك معي ، متعة حقيقية أن أرى شخص يقرأ كلماتي ويرددها بين شفتيه .
دعني أخبرك قصة قصيرة
في يوم من الأيام ، في ليلة من الليالي ، حين نام الشياطين الصغار، تلك الشياطين التي يسمونها الأطفال ، إستيقظ شياطين أكثر شرا ، أكثر رعبا ، أكثر رغبة بالإزعاج ، خرجت إلى الشوارع المهجورة ، إلى البيوت المهجورة ، إلى القصور المهجورة ، إلى البساتين المهجورة ، أرى أنك تتخيل أشكالهم ، نعم هم مثلما تتخيل وأسوأ .
في تلك الليالي المقمرة ، لم يكن هناك كهرباء ، ووجبات عشاء دسمة ، ومكيفات تهدر فوق الرؤس ، كانت هناك النوافذ الخشبية ، والقضبان المعدنية ، تفتح لكي تسمح بنسمة هواء بارد بالدخول ، في ذاك المنزل المبني من الطين ، في ذاك المنزل على الارض كانت نائمة بالقرب من زوجها ، زوجة صالحة مثل كل الزوجات الصالحات ، تعمل طوال النهار في بيت زوجها ، وتشتكي في الليل من أنه لا يقدرها ، مرأة مثالية مثل كل إناث هذا الكوكب .
كانت نائمة مثل باقي البشر ، إلا أن هناك أصوات غريبة خارج المنزل ، نعم يا عزيزي القارئ إنهم بالخارج ، هم وليس غيرهم ، ولكنها لم تكن تعلم ، زحفت فوق الفراش ، ثم إلى الشباك ، لم تفتحه لإنه قد كان مفتوحا ، فقط دفت دفة النافذة قليلا للخارج لترى من بالخارج ، نساء بالخارج ، ظنت أنهن الجارات ، مؤتمر ليلي بلا موعد ولا إتفاق ، ولكنها لم تستطع تمييز النساء في البدء ، ثم هناك ذلك الشعور الذي تعرفه ، يزحف من وسطها الى رأسها مثل ومضة كهربائية ، هم ليسوا جارتها ، هم ليسوا من منطقتها ، والأسوء أنهم ليسوا بشرا ، لقد كانت النساء مثل النساء من بعيد ، ولكن إذا أمعنت النظر علمت أنهم ليسوا بشرا ، ليسوا من كانت تظن أنهم هم ، وتحت تلك النسوة أطفال يلعبون ، أطفال ليسوا كالأطفال ، شياطين من نوع أكثر رعبا ، أكثر شؤما ، أكثر بؤسا .
زحت للخلف مثل جرو خائف رجعت للفراش ، حركت زوجها ، همست ، والدموع تزحف على خديها ، هزته ، حركته ، كادت أن تصرخ بصوتها المبحوح ، ولكن الرعب كان أكبر من صوتها ، ولكنه كان نائما ، ربما كان يحلم بالزوجة الثانية ، لا أحد يعلم بما يحلم الرجال .
وبرعب الأطفال الصغار رفعت الغطاء قليلا ، لترى أحد الشياطين الصغيرة أمام النافذة ، لا يعزيزي القارئ ، أنا لا أقصد طفلا بشريا ، بل شيطان صغير بالمعنى الحرفي للكلمة ، كيف عرفت أنه صغير ، لأنها رأت الأمهات ، والأطفال يبتعون الأمهات .
وكأي طفل خائف ، أو إمرأة مرعوبة ، غطت وجهها باللحاف ، وأصقت جسدها بزوجها الذي لسبب ما ، لم يكن يشعر بشيء ، شعرت به يدخل بين القضبان الحديدية ، كأن تلك المعادن ليست لمنعه ، بل لمنع من هم خلقوا من دماء ولحم ، سمعت حفيف خطواته من تحت الغطاء ، سمعته يدور حول الغرفة ، يحرك الأشياء من حولها ، يحرك المندوس ، يقرع على زجاجة الفنر ، يلمس المخاد ، ربما توقف أمام المرآة المعلقة على الجدار ، هل إنعكست صورته ، لا تعلم ، ونحن أيضا لا نعلم .
أخذت تحرك زوجها ، تريده أن يستيفظ ، ولكنه لم يفعل ، كأنما هناك حاجز بينه وبين عالم الأحياء ، شعرت بشيء ما فوق الفراش ، فوقها ، فوق زوجها ، لم يكن ثقيلا ، ولكنه شيء ما فوقها وفوق زوجها ، قلبها كاد أن يتوقف ، قلبها كاد أن يمارس تلك الدعابة السخيفة التي يسمونها السكتة القلبية ، دعابة سخيفة توردك القبر .
وفجئة سمعت صوتا ما ، صوت أنثى رقيق آمر حازم داخل الغرفة .
_ أنت أخرج من هنا ، دع الإنس لحالهم ، والله لأخبر أباك عن سواد فعلك .
هنا شعرت أن الشيء الذي كان فوقها قفز مبتعدا ، أخذ يركض متجها للنافذة ، خطوات تركض للنافذة مسرعة ، وللمرة الثانية لم تؤدي تلك القضبان الحديدة العمل المطلوب منها تأديته .
مرت لحظات من السكون ، مرت لحظات توقفت فيها الدموع ، ثم سمعت نفس الصوت الأنثوي يقول معتذار
_ سامحيني ، هو صغير في السن ، لا يعرف أنه مزعج ، سامحيني مرة أخرى ، سوف أخبر أباه ليربيه ، لن نزعجكم مرة أخرى .
كادت أن تقول
_ لا بأس إن الأطفال كلهم هكذا ، لا داعي لإخبار أباه .
ولكنها لم تكن بتلك الشجاعة ، لم تكن بتلك القوة ، لكي تخوض حوار ودي مع شيطانة أم مثالية ، تحاول تربية أبناءها بطريقة شيطانية صاحلة .
مرت لحظات تقلب فيها زوجها ، كأنما خرج من الحاجز الذي يمنعه من الحياة .
وأخيرا تمكنت من رفع رأسها من فوق الغطاء ، أخيرا تمكن من رفع الرعب الذي سيطر عليها ، أخيرا رجعت لها الروح ، بعد أن كانت تنوي مغادرة الجسد .
هذه الحكاية وقعت في زمن ما في مكان ما على هذا الكوكب ، أرى أنك تصدق ، وأرى زميلك الذي بقربك لا يصدق ، لا تهتم ، فالرعب الذي في غرفة نومك أنت وهو أكبر ، ولكن أنت لا تراه لهذا أنت نائم بتلك الغرفة .
سلام
تعليقات
إرسال تعليق