رعب من بحر عمان
هناك ليالي في عمان لا ترى فيها الا النجوم في السماء والجبال من خلفك والبحر من أمامك ، هناك ليالي في عمان لها ظلمات ليست كالظلمات .
على أهازيج موج البحر، يسوق الموج لك صوت طفل يبكي ، صوت إمرأة تستغيث ، صوت بعيد يستنجد ، إذا حالفك الحظ وسمعت هذه الأصوت ، فلا تأخذك الشجاعة إلى البحر ، فإنك ستهلك إن فعلت ..
قيل أن أهل البحر ثلاثة ، رجال لم يروا ، رجال رأوا ولم يصدقوا ، رجال رأوا وصدقوا .
قصة من قصص البحر .
شاب بمكتمل العمر ، تزوج حديثا ، ورزق بطفل لم يكمل بعد عامه الأول ، يخوض البحر بظلمت الليل ، على مركب صغير ورثه من والده .
كان فوقه ظلمة الليل ، المزينة بالنجوم ، وتحته ظلمت البحر المزينة بعجائب خلق الله .
_ قتل العشاق أهل البر ، ، ، وأهل البحر لهم الجهلُ قاتلُ
وكأنما ضربت الشاب صاعقة من السماء ، رفع رأسه نظر لليمين وإلى الشمال ، نظر إلى الماء وإلى السماء ، لم يرى سوى اللا شيء .
هز رأسه كأنه لم يسمع وأعاد بصره للخيط وللفنار ، هو يريد الصيد ولا يريد الشعر، ربما هي الريح من ساقت له الأشعار ، وربما هو بيت محفوظ بذاكرته ، قرر الخروج على شكل صوت مسموع .
ينتظر ان يهتز الخيط ليسحبه ، وحيدا بوسط البحر ، لا شاهد يشهد بما سيجري له ، ولا من يغيثه من الهول المقبل إليه .
هل تعرف اللحظة التي تشعر بها بالرعب ، تلك اللحظة التي يقف بها شعر يدك ويبيض لها شعر رأسك ، تشهق من الرعب ، كأن روحك قررت المغادرة إلى غير عودة ، هذا ما حدث له .
لقد وقف شعر يده ، وسرت قشعريرة كالبرق في جسده، لقد شهق شهيق الموت وسقط على المركب ، وقد جحضت عينيه .
أمامه يقف عجوز بعكاز ، يقف على صفحة الماء ، يقف وهو ينظر إليه ، وبسبب ضوء الفنر لم يتبين سوى بياض شعر رأسه ولحيته اللتي تلامس صدره ، لقد كان منحني الظهر ، كأنما بلغ عمر آدم عليه السلام .
مرت لحظات والشاب يشهق ، كأنما يعاني من الربو ، كان يتنفس بصعوبة ، يدخل الهواء الى صدره وهو شهق شهيق الميت ، ثم بمعجزة ما يخرج الهواء من صدره ، إستمر على هذه الحال فترة من الزمن حتى هدء ، ولكنه لم يستطع الكلام ، كان العجوز ينظر إليه ، ينظر إليه نظر المترقب والمنتظر لما سيكون من الشاب .
ولما هدء قال العجوزبصوت يصل إلى روحك قبل أن يصل إلى أذنك :
_ أريد الجلوس ، أريد محادثتك .
لم يكن يطلب ، لقد كان يخبر عن ما سوف يقوم به ، وبطرفت عين كان يجلس على المركب ، كان الشاب جاحض العينين يحاول أن يضبط نبض قلبه ويمسك بروحه التي تريد فراق جسده من الرعب ، كان بآخر المركب ، وأما العجوز الذي لم يحرك رأسه عن الشاب يجلس بمقدمة المركب .
مضى على هذه الحال زمن ، لا يعرف الشاب كم مضى ، ولكنه يعلم أنه لا يهلوس ، رجل عجوز منحني الظهر هزيل الجسد أبيض الشعر ، يجلس أمامه ، وبيده عكاز مثل العصي التي بيد كبار السن .
قال العجوز وضوء الفنر يتراقص بين الشاب والعجوز :
_ لو أني رأيتك قبل ثلاث مئة عام لأكلتك ، لو أني رأيتك قبل مئتي عام لأغرقتك ، لو أني رأيتك قبل مئة عام لأرعبتك ، أما اليوم فلم تعد لدي القوة على أكلك ولا على إغراقك ، ولا على إرعابك .
هل شعرت يوما بالدوار ، هل شعرت يوما بأنك ستغيب عن الوعي ولكنك ما زلت متمسك ببعض الوعي ، هذا ما كان من الشاب ، لقد كان ما بين الإغماء واليقضة ، كان يقول لنفسه هذا العجوز يريد هلاكي ، ولكنه لم يفعل .
ثم ولأول مرة حرك العجوز رأسه شمالا ويمينا ، كأنما يرى أين هو وهو يقول :
_ لم تعد بي قوة لقتلك ، لم تعد بي قوة لأكل كبدك ، لم تعد بي قوة لشرب دمك .
كان يتحسر على شبابه الضائع ، كان يتحسر على قوته التي غابت ، كان العجوز يريد أن يأكل هذا الشاب المرتعب بين قدميه .
ثم عاد العجوز يصوب بصره للشاب ، كأنما ينظر لأعماق روحه ، وهنا ولأول مرة رأى الشاب أن هذا العجوز لا عينين له ، لقد كان يظن أن الضوء لم يبلغ وجهه بشكل يجعله يبصر عينيه ، ولكنه الآن يدرك أن هذا العجوز لا عينين له ، لقد كان هناك محجرين من الظلام الدامس ، لقد كان يحدق إلى ظلام بمكان العينين .
أكمل العجوز :
_ لقد دخلت بيننا ، دخلت بملكنا ، لم تستأذن ، لم تذكر الله ، هل تظن أننا سنسمح لك ، لقد أرادوا قتلك ، ولكني منعتهم ، ليس لأني طيب ، وليس لأنك جاهل ، بل لأني لا أريد .
هنا رفع الشاب جسده ، نظر يمينا وشمالا ، لم يرى شيء ، كان الظلام محيط بالمركب من كل مكان .
هنا وبدون سابق إنذا ر سمع الشاب صراخ طفل رضيع ، كان يسمعه همسا ، ثم أخذ يرتفع رويدا رويدا .
قال العجوز :
_ ولدك يناديك ، ولدك يقول لك عد ، ولا تجعلني يتيما .
هنا صرخ الشاب بأعلى صوته ، كأنما نبهه العجوز لشيء لم يفعله :
_ يا ألله ، يا ألله ، يا ألله .
هنا وقف العجوز ، وأدار ظهره للشاب ومضى خارج المركب ، لقد مشى على صفحة الماء مبتعدا ، كأنما ظلام الليل إبتلع العجوز .
نسي الشاب أن خيطه ما زال بالماء ، لم يعد يهتم ، كان يريد العودة من حيث أتى ليسمع صوتا من قلب البحر يقول .
_ لك الله يامن كنت ظيفنا ، ، ، نلقاك بعد عام من يومنا
لقد غادر الشاب ولم يعد لتلك البقعة من البحر ، ولم يقترب منها مرة أخرى . ولكنه يعلم أن وعد الجن ليس مزاحا .
تعليقات
إرسال تعليق