قصة الفتاة التي إختطفها الجن
بيوم من الأيام سألني أخ من الكويت ، هل حقا لديكم أمور مرعبة في سلطنة عمان ، قلت له : لا ليس لدينا شيئ من هذا في عمان ، بل نحن نصنع الرعب في عمان .
كل ما ستقرأه في السطور التالية هو من وحي الخيال ، ولا يمت إلى الواقع بصلة ، ولكن ... ركز على كلمة لكن ، الأصول لهذه الحكاية حقيقية ، وتكرر في عمان ، وغيرها .
قبل أن يكون هناك كهرباء ، قبل أن يكون هناك سيارات ، كانت هناك حواري ضيقة ، وأراضي واسعة خضراء ، وساقية يجرها حمار لجلب الماء من عمق الأرض ، وأفلاج تخرج من الجبال إلى تلك القرية ، وكان هناك رجال وليس أشباه الرجال ، وكانت هناك نساء وليس أشباه النساء .
وكان هناك مريم ، بالسادسة عشرة من العمر ، لقد تزوج كل أقرانها ، ولم يبقى سواها ، ليس لأنها قبيحة ، وليس لأنها فقيرة ، بل لأنها مجنونة ، شعرها يصل إلى أخمص قدميها ، هزيلة كأنها لم تذق الطعاما في حياتها ، وفي بعض الليالي تعوي عواء الذئاب ، أو تصرخ صراخ المجانين ، مربوطة بعامود من اعمدة المنزل ، لكي لا تؤذي نفسها ، ولكي لا تؤذي من حولها .
بدأت حكايتها قبل عام ، عندما خرجت مع صاحباتها وأمها لمجرى الماء للأستحمام ، هو فلج عتيق عمره من عمر القرية وعند موت الفلج سوف تموت القرية ، إستحمام النساء في الليالي المقمرة ، هي عادة أزلية ، ما زالت تمارس ببعض المناطق بعمان ، ليس لفقرهم أو حاجتهم ، ولكنه شيء مثل السحرالحلال في ظلمت الليل ، مثل حكايات ألف ليلة وليلة ، لن تعرف جمالها حتى تخوض في صفحاتها ، النخيل أمامهم ، النخيل من حولهم ، النخيل أعلى منهم ، وصوت حفيف الرياح بين النخيل يجعلك تشعر أن هناك من يراقبك ، شيء ما ، أو شخص ما ، أو كائن ما يراقبك ، ربما كان فوق النخيل ، ربما كان بين النخيل ، ربما كان يمشي معك ، ولكنك لا تدرك ذلك بعد ، وعلى عادة النساء في تلك الأيام الماضية ، يفعلون ما تفعله النساء في ذلك الزمن ، يضحكون ، يرشون بعضهم بالماء ، يتحدثون عن همومهم ، ويذمون الكائن المتجبر المتكبر القاسي الذي أسمه الرجل .
وبظلمت الليل سمعوا وقع أقدام ، ولكنهم لا يرون أحد ، سمعوا شخصا يقترب ،خطوات تتبع بعضها بعضا تاره تظن أنها بقربك ، وتاره تظن أنها قادمة إليك ، خطفت كل واحدة منهن ثيابها ، وغطت جسدها ، ولكنهن لم يخرجن من الماء ، لعله وهم ، لعله غريب لا يعرف أنه مكان النساء ، لعله صعلوك أراد أن يرى ما حرم الله عليه رؤيته ، وقبل أن تصل الخطوات إليهم أو أن يعلموا من القادم ، توقفت الخطوات ، وسكنت الريح ، وساد الصمت ، ودون سابق إنذار، وكأنما حلت القيامة على الفتيات ، صرخت مريم ثم سحبها شيء ما الى الاسف ، الماء بعمقه ذراع لا يغرق طفل في الثانية ، ولكن الفتاة سحبت إلى اسفل ، كانما غطست في بحر ليس له قاع .
وكما هي عادة النساء بهذه المواقف ، العادة الأبدية التي لم ولن تتغير مهما طال الزمن ، صرخن وجن جنونهن ، أخذن يركضن في كل صوب ، ثم أدركن أن الله خلق لهن رجال لمثل هذه الأزمات.
كل فتاة طارت الى ذويها ، إلا الأم التي لم تبرح مكانها وهي تبحث عن إبنتها في مجرى الماء .
بكت وصرخت ، وهي تبحث عن إبنتها ، شقت الجيب ولطمت الوجه ، ولولت وهي تنادي بإسم مريم ، وماهي إلا لحظات حتى جاء الرجال بمصابيح الزيت ، أتوا وهم يحملون معاول ، ويمحلون أسلحة .
الرجال لا يعلمون شيئا هم يظنون أن الفتاة ، خطفت من قبل بشري ، لم تقبل عقولهم ما روته الفتيات .
الأم بين شهقات وبكاء وصريخ ، تؤكد أن فلذة كبدها غرقت ، سحبت إلى الأسفل ، شيء ما أخذها إلى عالمه الخاص .
مضى الرجال شرقا وغربا ، صرخوا ، بإسم الفتاة ، و بحثوا عن الأثر على الأرض ، كانوا يبحثون عن صاحب صوت الأقدام الغامض ، كذبوا ما رأته أعينهم ، فلا يوجد إنسان له ثلاثة أصابع بكل قدم ، كل إصبع بحجم قبضة ، لم ترى أعيهنم شيء مثل هذا من قبل ، لم تتقبل عقولهم ما رأوه ، لقد كان هناك اثر لشيء ما له ثلاثة أصابع .
شيء ما نزل من الأعلى ثم مشى إلى النساء ، ثم صعد إلى أعلى ، أو أنه نزل إلى الأسفل ، هذا الشئ هو من أخذ الفتاة ، أخذها إلى اللامكان .
عويل في بيت الفتاة ، وهمهمات في كل مكان ، الكل يعلم من فعلها ، الكل متأكد أنهم الجن ، ربما ينتقمون لشيء ما لا يعرفونه بعد ، ربما هو جن عاشق ، رأى بتلك الفتاة حبه الأزلي ، ربما هو ثأر عمره عشرات السنين ، سألوا ساحر ، سألوا شيخ ، سألوا منجم ، الكل لا يعرف ، ولم يسمع بمثل هذا .
وما هي إلا أيام حتى بدأت النسيان يسري بين أهل القرية إلا في بيت الفتاة ، وما هي إلا أيام حتى شق صراخ فتاة ظلام الليل ، صراخ مروع ، جعل الأطفال يبكون ، والرجال يقفزون ، والنساء يتشبثن بالرجال .
هب الجميع إلى مكان الصراخ الذي لم ينقطع ، لقد كان المكان الذي إختفت فيه الفتاة ، هو نفس المكان الذي إعتادة النساء الإستمحام به منذ أن بنى الأقدمون هذه القرية ، والذي أصبح محرم على كل النساء والأطفال المرور به بعد إختفاء مريم .
ليجدوا أنفسهم أمام شيء ما أشبه بالبشر ، شعره قد طال إلى اخمص قدميه ، يصرخ وهو ينظر إلى السماء ، ربما كن يعوي ، ربما كان يبكي ، ولكنه كان مرعب حتى بقلوب أقوى الرجال .
كاد بعضهم أن يقتل ذلك الشيء ، كاد البعض يرديه قتيلا بسلاحه ، لولا أن العقلاء منهم منعوا أطلاق الرصاص ، وما هي إلا لحظات حتى تقدم اشجع الرجال إلى ذلك الشيء بمصباحه المضيء ، ليكتشف أن هذا الشيء أنثى ، ليكتشف أن ذلك الشيء ما هو إلا الفتاة المفقودة ، أين كانت ، ومن أين أتت ، وماذا حل بها .
لقد تطلب الأمر أربعة رجال أشداء ليمسكوها ، وتطلب الأمر خمسة رجال ليربطوها ، وتطلب الأمر أيام قليلة ليتأكدوا من أنها فقدت عقلها
ومن يومها هي مربوطة ، ومن يومها هي مجنونة ، لم يعد لها عقلها ، ولم يعد لها إدراكها .
مضى على هذا عام كامل ، يطعمونها قهرا ، ومن يطعمها لا يسلم من عض كأنما يطعم كلب متوحش ، أحيانا تعوي ، واحيانا تصرخ ، ولكنها تهمهم أحيانا بكلام غير مفهوم ، كلام مرعب ، يقشعر منه البدن ، ويقف منه شعر الرأس .
حتى أن اليأس قد حل على والد الفتاة ، فكر بقتلها ، فكر بإطلاقها بين الجبال ، فكر بأخذها إلا بلاد الهند ، وكلما عزم على أمر ، لسبب مجهول ، يقرر الرجوع عنه .
صلاة الفجر فرض على الرجال ، ومن لا يصلي فهو إما مريض ، أو رضيع ، أو ميت ، ذلك اليوم شهد المسجد وجود ضيف جديد ، لم يروه من قبل ، كان أطول من الجميع ، كان أضخم من الجميع ، وكان ملثما ، الكل ينظر للآخر ، يسألون بعضهم بعضا ، هل هو ضيفك ، هل تعرفه ، هل هو عابر سبيل ، لا مجيب ، ولا من يعرفه .
وما إن قضيت الصلاة حتى قام الغريب يكلم الرجال ، كاد رأسه أن يلامس السقف ، وكان صوته أجش كأنه حيوان بري ، لا يكاد يفهم .
قال :
_ يا أبناء آدم ، لقد قتلنا من آذى إبنتكم .
ولم يزد على هذا شيء ، وخطى خارجا من المسجد ، لم يستوعب الجلوس ما قاله الغريب ، ولكنهم تبعوه للخارج ، يريدون سؤاله ، أوأنهم يريدون معرفة من يكون ، ولكن الغريب أختفى ، المسجد بمكان مفتوح ، يرى القادم والذاهب ، فكيف إختفى الغريب ، لم يروا شيء سوى شذرات من نور الفجر المقبل .
أما مريم فقد بكت على غير عادتها ، لقد أخذت تبكي مثل أي فتاة ، لقد بكت مثل طفلة صغيرة ، ضاعت ثم عادت ، لقد عاد عقلها بعد غياب طويل .
لا أحد يعلم ماذا جرى ، ولكنهم يعلمون أن هناك من أخذ عقلها ، وأن هناك من أعاده .
تعليقات
إرسال تعليق