السيده الفاضله ايملي _ قصة
السيدة الفاضلة إيميلي
محمد بن عبدالله شاب في العشرين من عمره استخرج منذ أمد بسيط رخصة قيادة ، وهاهو يصول ويجول الشوارع ذهابا وإيابا ، عندما يقود المركبة يشعر انه يملك كل القدرات الخارقة التي تمناها ، القوة ، السرعة ، والسيطرة .
سيارته هي سيارة أجره ، باللغة العامية تاكسي ، ليس لأنه بحاجة للمال ولكن هي أشبه ما تكون بهواية أخذته إلى حيث البشر وعالمهم السفلي ، فالكل يركب معه الغني والفقير ، الشريف والسفيه ، المسلم والكافر ، الصغير والكبير ، وطبعا الذكر والأنثى .
لم يكن يتوقف لأي شخص يراه فالشارع ، فهو له ذوق خاص في اختيار الزبائن ، الحكم الأولي هو المزاج ، فربما راق له اليوم أن يركب معه الوافدون ، وفي يوم آخر يفضل أهل جلدته ، وفي يوم ثالث لا يتوقف لأي شخص ، فقط يكتفي بالدوران في حلقة مفرغة .
أما الحكم الثاني في اختيار الزبائن فهو الجنس ، محمد بن عبدالله شاب في العشرين ويهوى النساء ، الكلام مع النساء ، صمت النساء ، المكالمات الصادرة والواردة للنساء على هواتفهن المحمولة , لا يهم جنسية المرأة أو عمرها , المهم أن تكون أنثى .
سيدة صغيرة بالسن ذات شعر ذهبي وثياب حمراء فاقعة اللون ترفع يدها لتوقف سيارة أجرة ، يقودها شاب صغير في السن أسمه محمد بن عبدالله ، يتوقف صاحب سيارة الأجرة وبلغة عربية ركيكة لا تكاد تميز الكلمات من الحروف تطلب تلك السيدة أن يوصلها للمستشفى .
الطريق للمستشفى ليس طويل , ورغبة محمد بالكلام مع الآنسة المجهولة قوية ، لغته الانجليزية تساعده على بدء حوار طويل مع السيدة الفاضلة ، هي بالكرسي الخلفي ، إذا ما المانع من فتح حوار لطيف مع هذا الجمال الأجنبي .
قال محمد محاولا فتح حوار طويل مع الشقراء :
_ هل أنت مريضة ؟
هنا انفرجت أسارير السيدة الشقراء وشقة ابتسامة واسعة شفتيها ، ومالت بجسدها للأمام وأمسكت كتف سائق سيارة الأجرة وقالت :
_أخيرا هنالك شخص يجيد الحديث باللغة الانجليزية ، كم عانية الأمرين من سيارات الاجرة .
هنا أخرجت هاتفها المحمول وطلبت من السائق رقمه الخاص ، بالطبع هذا أمر مذهل وعجيب حصل لذلك الشاب ، المذهل أن فتاة تطلب رقم هاتفه ، والعجيب أن معظم سائقي سيارات الاجرة يجيدون اللغة الانجليزية بطلاقة ، ولكن معظم السائقين وليس الكل مما جعل احتمال أن هذه السيدة كانت تقع تحت يدي من يجهلون لسان قومها كبير .
بعد أن أخذت أسم السائق ورقم هاتفه سألها محمد عن أسمها وسبب توجهها للمستشفى ، خصوصا ان المستشفى أصبح أمامه مباشرة .
_ أسمي إيميلي من سكوتلاندا ، والدي مريض وأنا أزوره ، سيد محمد هل بالامكان أن تنتظرني لمدة نصف ساعة سوف ادفع لك مصاريف الانتظار مقدما ؟
بشهامة فرسان العرب وافق محمد وقد وضع نصب عينيه خدمة الآنسة إيميلي ولم ينسى طبعا أن يقبض أتعابه مقدما فهو ليس بالمغفل .
لعبة الطيور الغاضبة هي افضل ما يجعل الوقت الطويل قصيرا ، النصف ساعة تطورت لساعة كاملة , القرار سهل ويسير ، فقط سيجارة خارج السيارة ثم الانطلاق بعيدا عن أيميلي .
ما أن رفع محمد رأسه خارج المركبة حتى رأى الفاضلة إيملي تدور في حلقة مفرغة بين مواقف السيارات كأنها تبحث عن شيء , وما إن رأت محمد حتى رفعت يدها مشيرتا إليه وهي تمشي باتجاهه .
_ لقد ضعت وسط هذا الكم الهائل من المركبات ولم أعرف أين أوقفت المركبة ، للحظة ظننت أنك تركتني ورحلت .
قال محمد
_ لماذا لم تتصلي ؟
عندها ضربت يدها على جبهتها كأنما تذكرت شيء نسته وقالت
_سيدي الفاضل لقد نسيت أمر الهاتف ، كم أنا حمقاء
عندها قال محمد في نفسه إنها فتاة حمقاء ، لأول مرة أرى في حياتي فتاة حمقاء وهذا مثير للفضول ، والغريب أنها أجنبية .
حوار قصير بين محمد وإيميلي ، كانت فيه مرحة وكثيرة الضحك ، على عكس الاجانب من الدول الاروبية فهم بالعادة متزمتين ، كثيري الصمت قليلي الكلام ، أو ربما هذا ما رآه محمد في الطبقة التي قابلها أثناء تجواله في الشوارع .
إيميلي تعيش مع أمها وأبيها أخوها الصغير جاك ، تدرس بالمعهد الامريكي ، وتعمل بدوام جزئي بالسفارة البريطانية ، كما يعمل ولدها بدوام كامل ، كثيرة الابتسام والضحك والسؤال عن الحياة .
_هل لديك صديقة ، هل أنت متزوج ؟
كان هذا سؤال السيدة إيميلي ، وقد لمعت عينيها بهذا السؤال المباغت ، في العادة هذا السؤال يطرحه الشاب على الفتاة ، وليس العكس ، لسبب ما لم يفاجئ محمد بهذا السؤال الذي يطرح عليه لأول مرة في حياته ، بل أجاب بسرعة دون تفكير .
_ لست متزوج وليس لدي صديقة ، وللحق لا ابحث عن صديقة .
_ لماذا ؟
_لأنني مسلم يا سيدتي ، ولست أرغب في عصيان الله .
هنا أبدت ايميلي دهشتها كثيرا ، لأنها خالطت الشباب المسلم في الجامعة والسفارة ، كثير منهم ليس لديهم قوانين مثل سائق سيارة الأجرة ، ولم يسبق لها أن سمعت جوابا مثل جواب سائق سيارة الاجرة .
_ كثير من شباب الجامعة لديهم صديقات وهم ملتزمون بواجباتهم الدينية ، فقد رأيت أحدهم يصلي وبعد الصلاة توجه لقاعة المحاضرات وهناك قبل صديقته .
تبسم محمد وأخفى ضحكته وهو يتمتم بكلمات ، وبعد برهة قال سائق سيارة الاجرة
_ هل شاركتي في سباق جري في بلدك ، اعني سباق بسيط مثل الذي فالمدارس ؟
أستغربت ايميلي من سؤال محمد وبدا ذلك على وجهها جليا
_ نعم شاركت ، ولكن ما دخل ذلك بموضوع حوارنا ؟
تبسم محمد وقال
_هل توقفت في منتصف السباق لتشربين شاي أو قهوة ، ربما عصير او جلستي لأخذ استراحة ؟
_لا يوجد شخص عاقل يتوقف بمنتصف السباق .
هنا قال محمد كأنما أنتصر
_ آنسة إيميلي لو فرضنا أن اوامر الله والطريق إليه سباق ، التوقف وأخذ استراحة وشرب عصير هو التقهقر في السباق ، يؤخرك عن المركز الأول ويؤخرك عن الوصول ، وربما أستبعدوك من السباق ، هذا مثال غريب نوعا ما ولكن هذا ابسط شيء أوصل به معلومة عن كيفية التمسك بأوامر الله وتركها .
أوقف محمد سيارته عن بيت ضخم نوعا ما ، ليس بالقصر وليس بالمنزل ، أخرجت الشقراء بضعة أوراق نقدية ، وخرجة من المركبة دون ان تعلق على ما قاله الشاب.
محمد يقود سيارته غير نادم على معارضته للفتاة ، فرغم كل شيء لكل شيء مبدأ ومبادئ الرجال لا تتغير مع الزمن ، عدد من الزبائن ينسي محمد شيء من ما جرى مع الشقراء .
ينشد الصباح أناشيده معلنا لمحمد أنه مازال حي ليوم آخر ولم يمت بعد ، جدول محمد سهل ويسير جدا ، يقضي أول الصباح مع والده في مراجعة حسابات المحلات ، ثم ينتقل لسيارة الاجرة ، فكما قلت لكم سابقا محمد سائق أجرة كهواية وليس لحاجته المادية .
الكون كله تجري عليه تغيرات ، وكذلك حياة سائق سيارة الاجرة ، الشقراء تطلب من محمد الحضور لها ، وبشهامته المعهودة ورغبته في رؤية الشقراء من جديد يحضر .
وأمام ذلك المنزل المتواضع تقف الشقراء منتظرة فارس الاحلام في سيارة الاجرة كأروع قصص العشق الفنتازي ، تدخل الشقراء المركبة بأبتسامة وسرعة كأنها تلتقي بصديق قديم .
هذا اليوم ترتدي بنطال جينز أزرق وقميص اخضر ذا كم طويل ، وبعد تحية لطيفة من الفتاة تعطي محمد ورقة بها عنوان ، كانت الورقة أشبه بالأوراق الرسمية ، بها عنوان وتطلب منه الوصول لهذا العنوان .
_ هل تحب الالغاز ؟
سؤال مباغت من ايميلي لمحمد ، الذي تفاجئ به نوعا ما وجعله يبتسم .
_ إذا كان لديك لغز فهاته ، أحب المحاولة .
بالطبع جواب اللغز هو تحدي بالنسبة لمحمد أمام هذا الجمال ، وجواب اللغز يحدد هل هو بمستوا طموحاتها أم أنه مجرد سائق سيارة أجرة .
_قبل خمس مائة عام بيتر راعي الغنم يفقد بصره وهو ذاهب للمراعي صباح يوم الاحد ، يفقد حسه بالأتجاهات ، القرية قريبة ولكنه لا يعرف كيف يصل إلى القرية ويطلب المساعدة دون أن يتوه ؟
نظرة حالمة تجتاح وجه الشاب ، يتفكر قليلا لمدة دقائق بسيطة ثم يجيب
_ في قرية صغيرة في السهول ، وراعي يفقد بصره صباح يوم الاحد ، الكنيسة تدق اجراسها يوم الاحد ، هذا جوابي ، يتبع اصوات الكنيسة للوصول للقرية .
لم تشعر بالراحة لجواب سائق التاكسي فقد امضة ايميلي معظم الليل تنسج السؤال من بنات افكارها وتضع الاحتمالات وهاهو الشاب يجيب على سؤالها في اقل من ثلاثة دقائق .
تشير أيميلي إلى بيت قريب من شاطئ البحر وتطلب من سائق سيارة الاجرة التوقف عنده ، وقبل نزول إيميلي تعطي سائق سيارة الاجرة بعض المال وتطلب منه الانتظار لنصف ساعة .
وكعادته تتلاعب انامل ذاك الشاب بشاشة الهاتف ، لعبة الطيور الغاضبة مثيرة للاهتمام لحد ما ، فجأة ينتفض قلب سائق التاكسي على صوت عالي ، أشبه بصوت أطلاق نار من داخل البيت ، أنتظر الشاب لحظات ليترقب خروج احد من البيت أو صراخ أحد ما ولكن لا صوت يذكر .
سأل نفسه هل يتوهم أم ماذا .
تخرج إيميلي وصوت من خلف باب البيت ناعم يودعها ، يوحي ذلك الصوت أن صاحبه أنثى .
تدخل السيارة وتطلب من السائق ان يعيدها للبيت ، الشارع مزدحم بالسيارات لسبب ما ، وأيميلي تثرثر عن الحياة والعاصمة وبلاد العرب وكل ما يخطر ببال ، إنها مثال حي على أن الانجليز ليسوا متجهمين ولا معقدين وغير اجتماعيين ، فهي تمثل طبقة لطيفة من المجتمع الانجليزي البيسط .
أما بالنسبة لمحمد فقد شغلته هذه الفتاة كثيرا ، فقد كانت اجتماعية بشكل كبير وودودة لحد كبير ، ولديها معرفة واسعة بحياة العاصمة ، بحيات العرب ، كأنها فتاة مستشرقة من زمن عشرينيات القرن المنصرم .
يستلم محمد مستحقاته المالية التي لم يمانع ابدا في استلامها ، في حالات كثيرة كان محمد لا يأخذ المال من كبار السن او المحتاجين او من يشكون له ضيق الحال ، فهو من عائلة ميسورة الحال ، وما سيارته إلا هواية تشبع فضوله في التعرف على المجتمع وعلى العالم الخارجي .
ثلاثة ايام لم تتصل فيها ايميلي بالشاب الذي شغله فراقها شيئا ما ، فلطالما فتح هاتفه ليرى اسمها ويتسائل عن سبب عدم إتصالها به ، هل وجدت سائقا آخر هل سافرة هل خرج والدها من المستشفى وتكفل بأمور حيات إبنته ؟
أسألة بلا إجابة في بال ذلك الشاب ، لسبب ما لم يتصل بالفتاة ، ربما كان الخوف من أن يتعلق بها ، ربما خاف من ان يكون مصدر ازعاج لها ، وبما كانت تربيته التي تربى عليها .
اليوم الرابع تصل رسالة لهاتف الشاب من الانسة إيميلي تطلب منه الحضور عند السادسة صباحا ، أي بعد صلاة الفجر بوقت قصير ، مثل هذه الطلبات تكون من ثلاثة انواع من البشر ، المسافر الذي يريد اللحاق بالمطار ، المريض الذي يريد الاولوية بالعلاج ، وصاحب المعاملات في المؤسسات الحكومية .
فرح بسيط برؤية الفتاة ، وعلامات التعجب تسري في قلب الشاب ، فأي من تلك الاحتمالات هي التي تجعل الفتاة تطلب الشاب في السادسة صباحا ؟
إيميلي تسلم على الشاب وبها نوع من الجفاء هذه المرة والتجهم ، بمجرد ان ركبت السيارة سلمت سائق التاكسي نفس ذلك النوع من الورق الذي تتداوله الحكومات وبها عنوان, ثم لاذت بالصمت والنظر للبعيد ، لم يدري ذلك الشاب هل يسأل إيميلي عن سبب تجهمها ام يتركها على حالها .
بفستان أصفر اللون تجلس فتاة سكوتلانية الاصول ، داخل سيارة اجرة يقودها شاب تكتسح التساؤلات صدره عن هذه الفتاة ، الطريق شبه خال من السيارات أو المارة ، والمسافة على غير المعتاد بعيدة نوعا ما .
قرر الشاب ان يسأل الفتاة السؤال المعتاد الذي يبدأ به سكان كوكب الارض حواراتهم .
_ كيف حالك ؟
تنظر ايميلي لمحمد نظرة تدل على الغضب المكبوت وبصوت حاد ومنخفض ترد
_ هل يهمك حقا حالي ؟
( ما هذا الجواب العجيب )
هذا ما قاله محمد في نفسه فلم يتوقع من ايميلي مثل هذه الاجابة التي لا تكون إلا بين أثنين لهما تاريخ مشترك أو على الاقل رابط مشترك ، أعلى من رابط سائق سيارة أجرة والراكب .
بصوت واضح وصريح قال محمد
_ نعم يهمني حالي ، فانتي الان في سيارتي وواجب علي مراعاتك ومعرفة حالتك الصحية .
_ لو كنت حقا تهتم لسألت عني
محمد يتفاجأ بما قالته الفتاة ولا يجد اجابة تسعفه فهو بشكل واضح ليس له اي علاقة تذكر مع هذه الفتاة ولا غيرها سوى علاقة عمل
_ مع احترامي لك لم اجد سببا وجيها لاكتب لك .
_ أذا أنا لا اعني لك اي شيء ؟
إن هذا النوع من الحوارات يكون بيع عشيقين ، بين أهل ، بين زوجين ، بين أشخاص دارت بينهم رحى الأيام وليس سائق سيارة أجرة وزبون .
_ في هذا الكون الواسع هناك شيء اسمه الثابت الكوني والمتغيرات الكونية ، جربي أخذ نفس عميق ثم اطلقي الهواء من صدرك ، هذا الهواء حرك المحيط من حوله ، وهو المحيط في السيارة التي تركبينها التي تغير ضغطها بشيء قليل لا نشعر به اطلاقا ، ولكنه تغير وهو بدوره غير الضغط الناجم عن حركة السيارة خارج محيط السيارة الداخلي . بسبب نفس من صدرك تغير شيء بالكون .
تسألين هل تعني لي شيء ، أقول لك ببساطة ان هناك فيزياء بالكون تربطني بك وبكل البشر من حولنا ، نعم أنت تعنين لي شيئا في هذا الكون .
هذا اذكى شيء توصل له عقل محمد ، ومثل هذا الجواب كان مرضيا نوعا ما .
وبشكل لا إرادي اخذت ايميلي نفسا عميقا ثم قالت
_ أنت لا تريد القول انك تهتم بي ، ولا تريد القول انك لا تهتم بي ، تستغلي فيزياء الكون لكي تقول لي انك لا تهتم بي ، ولكنك تهتم بي .. كن صريحا معي وقل لي الحقيقة
قطب محمد حاجبيه ذهولا من ما سمعه من اميلي ، أي حقيقة هي التي ترجوا منه قولها ؟
فهو بالكاد يعرف السيدة اللاسكوتلاندية وبالكاد يجاريها في هذا الحوار المجنون ، قال وهو يحاول قدر الإمكان مجاراتها
_ من فضلك يا سيدتي الفاضلة ، أنت كائن حي وانا اهتم لامرك ولكن أن كنت تقصدين مشاعر بين الرجل والمرأة حقا لا استطيع قول شيء مثل أني متيم بك او مثل هذه الكلمات ، فأنت لا تعلمين من أنا ولا اعلم من انت .
تشيح ببصرها بعيدا وقد احمر وجهها وبدا واضحا عليها هذا .
وطوال نصف الساعة القادمة أيميلي صامته لا تتكلم ، طوال نصف ساعة سائق السيارة صامت والحيرة تأكل صدره .
سيارة الأجرة تتوقف بجانب الطريق ، حيث قصر شرقي ، تلك القصور التي تقرأ عنها في كتاب الف ليلة وليلة ، بوابة ضخمة ، حارس امن ، اذن دخول مسافة ليست بالقليلة بين تلك البوابة والقصر يتوقف أمام باب القصر وهناك يستقبل السيدة أيميلي رجل سبعيني يصحبها من يدها للداخل ، لم يستلم أي شيء هذه المرة ولم يجروء على الرحيل ويجتاز تلك البوابة وحارس الامن
لم يعد للعبة الطيور الغاضبة أي طعم ، لم يعد للتحطيم له تلك اللذة ، هنا في لحظت السكون صوت طلق ناري واضح يخرج من القصر ، محمد ينتفض من مكانه يخرج من السيارة بسرعة ، ويقف مذهولا أمام باب القصر ، لا أحد يدخل لا أحد يخرج ولا حارس الامن يتحرك ، هل هو الوحيد الذي سمع ذلك الطلق الناري .
يقف مذهولا وهو على أهبت الاستعداد للهجوم أو للهرب ، يحدد بعد تصرفه القادم ولكنه كان مستعدا.
دقائق ثقيلة تمر ، وهو واقف أمام باب القصر لا يعرف ماذا يفعل .
وهو في غارق في حيرته تخرج الانسة ايميلي من المنزل ، وكأن شيء لم يكن ، ويتبعها السبعيني وعليه ابتسامة رضا ، تلك الابتسامة التي تخرج منك وقد اشتريت شيء غاليا بسعر زهيد .
تدخل السيارة وهو مازال خارجها ، تفتح زجاج النافذة وتناديه بشيء من الجفاء وتقول له
_ هاي أنت .. حان وقت الذهاب .
لم تكن تلك الطريقة مهذبة لمناداة شاب يعكف على مساعدتها ، إنها اشبه بعبارات تقال لشخص بينك وبينه جفاء .
محمد يشعر ببعض الارتباك ، يحدق بالسبعيني وهو يدخل المركبة كأنما يتكأد من ان السبعيني ليس مصاب .
وما زالت ابتسامة السبعيني تعلوا محياه ، وصاحب سيارة اجرة أسمه محمد ينطلق خارج حديقة قصر من حكايات ألف ليلة وليلة ، يغادر البوابة ، وفي الخلف تجلس السيدة الفاضلة إيملي .
_ هل تعلم كم عامود إنارة مررنا به ، هل تعلم ؟
ينظر الشاب إلى المرآة العلوية ، ينظر للفتاة ذات الفستان الأصفر ، كم تبدوا لطيفة ، وهي غاضبة ومحمرة الوجه ، رغم الحذر والتحفز والخوف الذي يلفان قلبه إلا انه وجد جمال من الريف الاسكوتلاندي يجتاحها ،
_لقد قطعنا مسافة ثلاث كيلوا مترات ، في هذا الشارع المسافة بين أعمدة الانارة 50 مترا مما يعني اننا قطعنا 30 عامودا تقريبا والعدد في ازدياد ..
قالت ايملي
_ ثلاثين عامود انارة ليس الرقم الدقيق ، لقد كانة 35 عندما طرحت عليك السؤال ..عددتها لانني لا اجد ما أقوله مع شاب لا يهتم بفتاة رافقته على مدار ثلاثة أيام ولم يقم بأرسال رسالة واحدة يحيها بها .
شعر محمد ببعض الحرج ، لا يعلم ما هي الحياة الاسكوتلانية ، لا يعلم ما يدور بتلك البلاد ، ولكن هنا يكون سائق الأجرة سائق أجرة فقط لا غير ، والزبون ، يضل شخصا غريبا عليه .
_
سيارته هي سيارة أجره ، باللغة العامية تاكسي ، ليس لأنه بحاجة للمال ولكن هي أشبه ما تكون بهواية أخذته إلى حيث البشر وعالمهم السفلي ، فالكل يركب معه الغني والفقير ، الشريف والسفيه ، المسلم والكافر ، الصغير والكبير ، وطبعا الذكر والأنثى .
لم يكن يتوقف لأي شخص يراه فالشارع ، فهو له ذوق خاص في اختيار الزبائن ، الحكم الأولي هو المزاج ، فربما راق له اليوم أن يركب معه الوافدون ، وفي يوم آخر يفضل أهل جلدته ، وفي يوم ثالث لا يتوقف لأي شخص ، فقط يكتفي بالدوران في حلقة مفرغة .
أما الحكم الثاني في اختيار الزبائن فهو الجنس ، محمد بن عبدالله شاب في العشرين ويهوى النساء ، الكلام مع النساء ، صمت النساء ، المكالمات الصادرة والواردة للنساء على هواتفهن المحمولة , لا يهم جنسية المرأة أو عمرها , المهم أن تكون أنثى .
سيدة صغيرة بالسن ذات شعر ذهبي وثياب حمراء فاقعة اللون ترفع يدها لتوقف سيارة أجرة ، يقودها شاب صغير في السن أسمه محمد بن عبدالله ، يتوقف صاحب سيارة الأجرة وبلغة عربية ركيكة لا تكاد تميز الكلمات من الحروف تطلب تلك السيدة أن يوصلها للمستشفى .
الطريق للمستشفى ليس طويل , ورغبة محمد بالكلام مع الآنسة المجهولة قوية ، لغته الانجليزية تساعده على بدء حوار طويل مع السيدة الفاضلة ، هي بالكرسي الخلفي ، إذا ما المانع من فتح حوار لطيف مع هذا الجمال الأجنبي .
قال محمد محاولا فتح حوار طويل مع الشقراء :
_ هل أنت مريضة ؟
هنا انفرجت أسارير السيدة الشقراء وشقة ابتسامة واسعة شفتيها ، ومالت بجسدها للأمام وأمسكت كتف سائق سيارة الأجرة وقالت :
_أخيرا هنالك شخص يجيد الحديث باللغة الانجليزية ، كم عانية الأمرين من سيارات الاجرة .
هنا أخرجت هاتفها المحمول وطلبت من السائق رقمه الخاص ، بالطبع هذا أمر مذهل وعجيب حصل لذلك الشاب ، المذهل أن فتاة تطلب رقم هاتفه ، والعجيب أن معظم سائقي سيارات الاجرة يجيدون اللغة الانجليزية بطلاقة ، ولكن معظم السائقين وليس الكل مما جعل احتمال أن هذه السيدة كانت تقع تحت يدي من يجهلون لسان قومها كبير .
بعد أن أخذت أسم السائق ورقم هاتفه سألها محمد عن أسمها وسبب توجهها للمستشفى ، خصوصا ان المستشفى أصبح أمامه مباشرة .
_ أسمي إيميلي من سكوتلاندا ، والدي مريض وأنا أزوره ، سيد محمد هل بالامكان أن تنتظرني لمدة نصف ساعة سوف ادفع لك مصاريف الانتظار مقدما ؟
بشهامة فرسان العرب وافق محمد وقد وضع نصب عينيه خدمة الآنسة إيميلي ولم ينسى طبعا أن يقبض أتعابه مقدما فهو ليس بالمغفل .
لعبة الطيور الغاضبة هي افضل ما يجعل الوقت الطويل قصيرا ، النصف ساعة تطورت لساعة كاملة , القرار سهل ويسير ، فقط سيجارة خارج السيارة ثم الانطلاق بعيدا عن أيميلي .
ما أن رفع محمد رأسه خارج المركبة حتى رأى الفاضلة إيملي تدور في حلقة مفرغة بين مواقف السيارات كأنها تبحث عن شيء , وما إن رأت محمد حتى رفعت يدها مشيرتا إليه وهي تمشي باتجاهه .
_ لقد ضعت وسط هذا الكم الهائل من المركبات ولم أعرف أين أوقفت المركبة ، للحظة ظننت أنك تركتني ورحلت .
قال محمد
_ لماذا لم تتصلي ؟
عندها ضربت يدها على جبهتها كأنما تذكرت شيء نسته وقالت
_سيدي الفاضل لقد نسيت أمر الهاتف ، كم أنا حمقاء
عندها قال محمد في نفسه إنها فتاة حمقاء ، لأول مرة أرى في حياتي فتاة حمقاء وهذا مثير للفضول ، والغريب أنها أجنبية .
حوار قصير بين محمد وإيميلي ، كانت فيه مرحة وكثيرة الضحك ، على عكس الاجانب من الدول الاروبية فهم بالعادة متزمتين ، كثيري الصمت قليلي الكلام ، أو ربما هذا ما رآه محمد في الطبقة التي قابلها أثناء تجواله في الشوارع .
إيميلي تعيش مع أمها وأبيها أخوها الصغير جاك ، تدرس بالمعهد الامريكي ، وتعمل بدوام جزئي بالسفارة البريطانية ، كما يعمل ولدها بدوام كامل ، كثيرة الابتسام والضحك والسؤال عن الحياة .
_هل لديك صديقة ، هل أنت متزوج ؟
كان هذا سؤال السيدة إيميلي ، وقد لمعت عينيها بهذا السؤال المباغت ، في العادة هذا السؤال يطرحه الشاب على الفتاة ، وليس العكس ، لسبب ما لم يفاجئ محمد بهذا السؤال الذي يطرح عليه لأول مرة في حياته ، بل أجاب بسرعة دون تفكير .
_ لست متزوج وليس لدي صديقة ، وللحق لا ابحث عن صديقة .
_ لماذا ؟
_لأنني مسلم يا سيدتي ، ولست أرغب في عصيان الله .
هنا أبدت ايميلي دهشتها كثيرا ، لأنها خالطت الشباب المسلم في الجامعة والسفارة ، كثير منهم ليس لديهم قوانين مثل سائق سيارة الأجرة ، ولم يسبق لها أن سمعت جوابا مثل جواب سائق سيارة الاجرة .
_ كثير من شباب الجامعة لديهم صديقات وهم ملتزمون بواجباتهم الدينية ، فقد رأيت أحدهم يصلي وبعد الصلاة توجه لقاعة المحاضرات وهناك قبل صديقته .
تبسم محمد وأخفى ضحكته وهو يتمتم بكلمات ، وبعد برهة قال سائق سيارة الاجرة
_ هل شاركتي في سباق جري في بلدك ، اعني سباق بسيط مثل الذي فالمدارس ؟
أستغربت ايميلي من سؤال محمد وبدا ذلك على وجهها جليا
_ نعم شاركت ، ولكن ما دخل ذلك بموضوع حوارنا ؟
تبسم محمد وقال
_هل توقفت في منتصف السباق لتشربين شاي أو قهوة ، ربما عصير او جلستي لأخذ استراحة ؟
_لا يوجد شخص عاقل يتوقف بمنتصف السباق .
هنا قال محمد كأنما أنتصر
_ آنسة إيميلي لو فرضنا أن اوامر الله والطريق إليه سباق ، التوقف وأخذ استراحة وشرب عصير هو التقهقر في السباق ، يؤخرك عن المركز الأول ويؤخرك عن الوصول ، وربما أستبعدوك من السباق ، هذا مثال غريب نوعا ما ولكن هذا ابسط شيء أوصل به معلومة عن كيفية التمسك بأوامر الله وتركها .
أوقف محمد سيارته عن بيت ضخم نوعا ما ، ليس بالقصر وليس بالمنزل ، أخرجت الشقراء بضعة أوراق نقدية ، وخرجة من المركبة دون ان تعلق على ما قاله الشاب.
محمد يقود سيارته غير نادم على معارضته للفتاة ، فرغم كل شيء لكل شيء مبدأ ومبادئ الرجال لا تتغير مع الزمن ، عدد من الزبائن ينسي محمد شيء من ما جرى مع الشقراء .
ينشد الصباح أناشيده معلنا لمحمد أنه مازال حي ليوم آخر ولم يمت بعد ، جدول محمد سهل ويسير جدا ، يقضي أول الصباح مع والده في مراجعة حسابات المحلات ، ثم ينتقل لسيارة الاجرة ، فكما قلت لكم سابقا محمد سائق أجرة كهواية وليس لحاجته المادية .
الكون كله تجري عليه تغيرات ، وكذلك حياة سائق سيارة الاجرة ، الشقراء تطلب من محمد الحضور لها ، وبشهامته المعهودة ورغبته في رؤية الشقراء من جديد يحضر .
وأمام ذلك المنزل المتواضع تقف الشقراء منتظرة فارس الاحلام في سيارة الاجرة كأروع قصص العشق الفنتازي ، تدخل الشقراء المركبة بأبتسامة وسرعة كأنها تلتقي بصديق قديم .
هذا اليوم ترتدي بنطال جينز أزرق وقميص اخضر ذا كم طويل ، وبعد تحية لطيفة من الفتاة تعطي محمد ورقة بها عنوان ، كانت الورقة أشبه بالأوراق الرسمية ، بها عنوان وتطلب منه الوصول لهذا العنوان .
_ هل تحب الالغاز ؟
سؤال مباغت من ايميلي لمحمد ، الذي تفاجئ به نوعا ما وجعله يبتسم .
_ إذا كان لديك لغز فهاته ، أحب المحاولة .
بالطبع جواب اللغز هو تحدي بالنسبة لمحمد أمام هذا الجمال ، وجواب اللغز يحدد هل هو بمستوا طموحاتها أم أنه مجرد سائق سيارة أجرة .
_قبل خمس مائة عام بيتر راعي الغنم يفقد بصره وهو ذاهب للمراعي صباح يوم الاحد ، يفقد حسه بالأتجاهات ، القرية قريبة ولكنه لا يعرف كيف يصل إلى القرية ويطلب المساعدة دون أن يتوه ؟
نظرة حالمة تجتاح وجه الشاب ، يتفكر قليلا لمدة دقائق بسيطة ثم يجيب
_ في قرية صغيرة في السهول ، وراعي يفقد بصره صباح يوم الاحد ، الكنيسة تدق اجراسها يوم الاحد ، هذا جوابي ، يتبع اصوات الكنيسة للوصول للقرية .
لم تشعر بالراحة لجواب سائق التاكسي فقد امضة ايميلي معظم الليل تنسج السؤال من بنات افكارها وتضع الاحتمالات وهاهو الشاب يجيب على سؤالها في اقل من ثلاثة دقائق .
تشير أيميلي إلى بيت قريب من شاطئ البحر وتطلب من سائق سيارة الاجرة التوقف عنده ، وقبل نزول إيميلي تعطي سائق سيارة الاجرة بعض المال وتطلب منه الانتظار لنصف ساعة .
وكعادته تتلاعب انامل ذاك الشاب بشاشة الهاتف ، لعبة الطيور الغاضبة مثيرة للاهتمام لحد ما ، فجأة ينتفض قلب سائق التاكسي على صوت عالي ، أشبه بصوت أطلاق نار من داخل البيت ، أنتظر الشاب لحظات ليترقب خروج احد من البيت أو صراخ أحد ما ولكن لا صوت يذكر .
سأل نفسه هل يتوهم أم ماذا .
تخرج إيميلي وصوت من خلف باب البيت ناعم يودعها ، يوحي ذلك الصوت أن صاحبه أنثى .
تدخل السيارة وتطلب من السائق ان يعيدها للبيت ، الشارع مزدحم بالسيارات لسبب ما ، وأيميلي تثرثر عن الحياة والعاصمة وبلاد العرب وكل ما يخطر ببال ، إنها مثال حي على أن الانجليز ليسوا متجهمين ولا معقدين وغير اجتماعيين ، فهي تمثل طبقة لطيفة من المجتمع الانجليزي البيسط .
أما بالنسبة لمحمد فقد شغلته هذه الفتاة كثيرا ، فقد كانت اجتماعية بشكل كبير وودودة لحد كبير ، ولديها معرفة واسعة بحياة العاصمة ، بحيات العرب ، كأنها فتاة مستشرقة من زمن عشرينيات القرن المنصرم .
يستلم محمد مستحقاته المالية التي لم يمانع ابدا في استلامها ، في حالات كثيرة كان محمد لا يأخذ المال من كبار السن او المحتاجين او من يشكون له ضيق الحال ، فهو من عائلة ميسورة الحال ، وما سيارته إلا هواية تشبع فضوله في التعرف على المجتمع وعلى العالم الخارجي .
ثلاثة ايام لم تتصل فيها ايميلي بالشاب الذي شغله فراقها شيئا ما ، فلطالما فتح هاتفه ليرى اسمها ويتسائل عن سبب عدم إتصالها به ، هل وجدت سائقا آخر هل سافرة هل خرج والدها من المستشفى وتكفل بأمور حيات إبنته ؟
أسألة بلا إجابة في بال ذلك الشاب ، لسبب ما لم يتصل بالفتاة ، ربما كان الخوف من أن يتعلق بها ، ربما خاف من ان يكون مصدر ازعاج لها ، وبما كانت تربيته التي تربى عليها .
اليوم الرابع تصل رسالة لهاتف الشاب من الانسة إيميلي تطلب منه الحضور عند السادسة صباحا ، أي بعد صلاة الفجر بوقت قصير ، مثل هذه الطلبات تكون من ثلاثة انواع من البشر ، المسافر الذي يريد اللحاق بالمطار ، المريض الذي يريد الاولوية بالعلاج ، وصاحب المعاملات في المؤسسات الحكومية .
فرح بسيط برؤية الفتاة ، وعلامات التعجب تسري في قلب الشاب ، فأي من تلك الاحتمالات هي التي تجعل الفتاة تطلب الشاب في السادسة صباحا ؟
إيميلي تسلم على الشاب وبها نوع من الجفاء هذه المرة والتجهم ، بمجرد ان ركبت السيارة سلمت سائق التاكسي نفس ذلك النوع من الورق الذي تتداوله الحكومات وبها عنوان, ثم لاذت بالصمت والنظر للبعيد ، لم يدري ذلك الشاب هل يسأل إيميلي عن سبب تجهمها ام يتركها على حالها .
بفستان أصفر اللون تجلس فتاة سكوتلانية الاصول ، داخل سيارة اجرة يقودها شاب تكتسح التساؤلات صدره عن هذه الفتاة ، الطريق شبه خال من السيارات أو المارة ، والمسافة على غير المعتاد بعيدة نوعا ما .
قرر الشاب ان يسأل الفتاة السؤال المعتاد الذي يبدأ به سكان كوكب الارض حواراتهم .
_ كيف حالك ؟
تنظر ايميلي لمحمد نظرة تدل على الغضب المكبوت وبصوت حاد ومنخفض ترد
_ هل يهمك حقا حالي ؟
( ما هذا الجواب العجيب )
هذا ما قاله محمد في نفسه فلم يتوقع من ايميلي مثل هذه الاجابة التي لا تكون إلا بين أثنين لهما تاريخ مشترك أو على الاقل رابط مشترك ، أعلى من رابط سائق سيارة أجرة والراكب .
بصوت واضح وصريح قال محمد
_ نعم يهمني حالي ، فانتي الان في سيارتي وواجب علي مراعاتك ومعرفة حالتك الصحية .
_ لو كنت حقا تهتم لسألت عني
محمد يتفاجأ بما قالته الفتاة ولا يجد اجابة تسعفه فهو بشكل واضح ليس له اي علاقة تذكر مع هذه الفتاة ولا غيرها سوى علاقة عمل
_ مع احترامي لك لم اجد سببا وجيها لاكتب لك .
_ أذا أنا لا اعني لك اي شيء ؟
إن هذا النوع من الحوارات يكون بيع عشيقين ، بين أهل ، بين زوجين ، بين أشخاص دارت بينهم رحى الأيام وليس سائق سيارة أجرة وزبون .
_ في هذا الكون الواسع هناك شيء اسمه الثابت الكوني والمتغيرات الكونية ، جربي أخذ نفس عميق ثم اطلقي الهواء من صدرك ، هذا الهواء حرك المحيط من حوله ، وهو المحيط في السيارة التي تركبينها التي تغير ضغطها بشيء قليل لا نشعر به اطلاقا ، ولكنه تغير وهو بدوره غير الضغط الناجم عن حركة السيارة خارج محيط السيارة الداخلي . بسبب نفس من صدرك تغير شيء بالكون .
تسألين هل تعني لي شيء ، أقول لك ببساطة ان هناك فيزياء بالكون تربطني بك وبكل البشر من حولنا ، نعم أنت تعنين لي شيئا في هذا الكون .
هذا اذكى شيء توصل له عقل محمد ، ومثل هذا الجواب كان مرضيا نوعا ما .
وبشكل لا إرادي اخذت ايميلي نفسا عميقا ثم قالت
_ أنت لا تريد القول انك تهتم بي ، ولا تريد القول انك لا تهتم بي ، تستغلي فيزياء الكون لكي تقول لي انك لا تهتم بي ، ولكنك تهتم بي .. كن صريحا معي وقل لي الحقيقة
قطب محمد حاجبيه ذهولا من ما سمعه من اميلي ، أي حقيقة هي التي ترجوا منه قولها ؟
فهو بالكاد يعرف السيدة اللاسكوتلاندية وبالكاد يجاريها في هذا الحوار المجنون ، قال وهو يحاول قدر الإمكان مجاراتها
_ من فضلك يا سيدتي الفاضلة ، أنت كائن حي وانا اهتم لامرك ولكن أن كنت تقصدين مشاعر بين الرجل والمرأة حقا لا استطيع قول شيء مثل أني متيم بك او مثل هذه الكلمات ، فأنت لا تعلمين من أنا ولا اعلم من انت .
تشيح ببصرها بعيدا وقد احمر وجهها وبدا واضحا عليها هذا .
وطوال نصف الساعة القادمة أيميلي صامته لا تتكلم ، طوال نصف ساعة سائق السيارة صامت والحيرة تأكل صدره .
سيارة الأجرة تتوقف بجانب الطريق ، حيث قصر شرقي ، تلك القصور التي تقرأ عنها في كتاب الف ليلة وليلة ، بوابة ضخمة ، حارس امن ، اذن دخول مسافة ليست بالقليلة بين تلك البوابة والقصر يتوقف أمام باب القصر وهناك يستقبل السيدة أيميلي رجل سبعيني يصحبها من يدها للداخل ، لم يستلم أي شيء هذه المرة ولم يجروء على الرحيل ويجتاز تلك البوابة وحارس الامن
لم يعد للعبة الطيور الغاضبة أي طعم ، لم يعد للتحطيم له تلك اللذة ، هنا في لحظت السكون صوت طلق ناري واضح يخرج من القصر ، محمد ينتفض من مكانه يخرج من السيارة بسرعة ، ويقف مذهولا أمام باب القصر ، لا أحد يدخل لا أحد يخرج ولا حارس الامن يتحرك ، هل هو الوحيد الذي سمع ذلك الطلق الناري .
يقف مذهولا وهو على أهبت الاستعداد للهجوم أو للهرب ، يحدد بعد تصرفه القادم ولكنه كان مستعدا.
دقائق ثقيلة تمر ، وهو واقف أمام باب القصر لا يعرف ماذا يفعل .
وهو في غارق في حيرته تخرج الانسة ايميلي من المنزل ، وكأن شيء لم يكن ، ويتبعها السبعيني وعليه ابتسامة رضا ، تلك الابتسامة التي تخرج منك وقد اشتريت شيء غاليا بسعر زهيد .
تدخل السيارة وهو مازال خارجها ، تفتح زجاج النافذة وتناديه بشيء من الجفاء وتقول له
_ هاي أنت .. حان وقت الذهاب .
لم تكن تلك الطريقة مهذبة لمناداة شاب يعكف على مساعدتها ، إنها اشبه بعبارات تقال لشخص بينك وبينه جفاء .
محمد يشعر ببعض الارتباك ، يحدق بالسبعيني وهو يدخل المركبة كأنما يتكأد من ان السبعيني ليس مصاب .
وما زالت ابتسامة السبعيني تعلوا محياه ، وصاحب سيارة اجرة أسمه محمد ينطلق خارج حديقة قصر من حكايات ألف ليلة وليلة ، يغادر البوابة ، وفي الخلف تجلس السيدة الفاضلة إيملي .
_ هل تعلم كم عامود إنارة مررنا به ، هل تعلم ؟
ينظر الشاب إلى المرآة العلوية ، ينظر للفتاة ذات الفستان الأصفر ، كم تبدوا لطيفة ، وهي غاضبة ومحمرة الوجه ، رغم الحذر والتحفز والخوف الذي يلفان قلبه إلا انه وجد جمال من الريف الاسكوتلاندي يجتاحها ،
_لقد قطعنا مسافة ثلاث كيلوا مترات ، في هذا الشارع المسافة بين أعمدة الانارة 50 مترا مما يعني اننا قطعنا 30 عامودا تقريبا والعدد في ازدياد ..
قالت ايملي
_ ثلاثين عامود انارة ليس الرقم الدقيق ، لقد كانة 35 عندما طرحت عليك السؤال ..عددتها لانني لا اجد ما أقوله مع شاب لا يهتم بفتاة رافقته على مدار ثلاثة أيام ولم يقم بأرسال رسالة واحدة يحيها بها .
شعر محمد ببعض الحرج ، لا يعلم ما هي الحياة الاسكوتلانية ، لا يعلم ما يدور بتلك البلاد ، ولكن هنا يكون سائق الأجرة سائق أجرة فقط لا غير ، والزبون ، يضل شخصا غريبا عليه .
_
تعليقات
إرسال تعليق