مذكرات نجلاء ،، المجنون.. الجزء الثاني _ قصة
حكايات نجلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
قطرات المطر تطرق نوافذ البيوت ،
تتوسل للدخول ، تتوسل لمداعبة وجوه الأطفال ، لترسم البهجة على وجوه البشر ، وصوت الرعد لم يكن مخيفا أبدا .
لقد كان خفيفا مثل هدير شلال بعيد ،
أو موج بحر يسمع بين ضجيج البشر .
لم يكن يوما يخيف قلب نجلاء أو يحرك فيها مشاعر
الفزع .
تجلس على طاولة مكتبها الصغير تحدق إلى النافذة وهي تبتسم ، شفتيها تتحركان قليلا ، ثم تعاودان
الابتسام .
هكذا هي نجلاء في غرفتها ، بذلك اليوم
الماطر ، تتهامس مع قطرات المطر ، ثم مضي إلى غرفة الجدة ، وبعد لحظات قليلة تتسلل
سيدة ذات وجه جميل للغرفة ، أم نجلاء لا تصدق انها تقتحم حياة طفلتها مثل المتربصين ، مثل الجواسيس ، ربما شعرت ببعض
الضيق من نفسها لأنها مثال يجب أن يحتذى به ، ولكن
الأوان قد فات وقد صارت على مكتب نجلاء.
أم نجلاء على الطاولة وقد وجدت بطاقة
فوق مذكرات نجلاء وقد كتب فوقها التالي :
_الحياة تجارب ، وبحر نعيش فيه دون أن
نغرق.
شعرت بالضيق ، وقفت ، أدارة ظهرها
ومضت للباب ولكنها بقوة خفية شعرت بشيء يجذبها للمذكرات ، قالت في نفسها
_ يجب أن أعرف .
فتحت
المذكرات وقرأت
حافية
القدمين لا ترتدي حذاء ،تمشي تحت المطر ، ترفع رأسها كأنها تخاطب السماء ، لا
افهمها ، ولم استطع يوم فهمها ، وعندما تكون فالغرفة ، تنظر للخارج ،للفضاء الواسع
كأنها تخاطب الكون ، كأنها تقول للكون لم نسيتني هنا ، لماذا لست هناك ؟
وكالعادة
نظرت إلي وقالت
حكايات مستعمر
بشرتهم بيضاء
كالثلج ولكنهم حين دخلوا إلى هذه الأرض أصبحت
حمراء ، حمراء كالدم أو كأنما أتو من
الجحيم ، لا يرحمون أو ربما لا
يريدون ان يعرفوا ما هي الرحمة ، يأتوننا
ليقتلونا ، ثم يرحلون ، ثم يعودون لقتلونا من جديد ، قتلوا الحاج عبدالله ، والحاج
داوود ، قتلوا شميس الدين ، شمس الدين فتى لم يبلغ العاشرة رمى أحدهم بحجر فقتلوه
، ثم علقوا بقايا جسده على باب المسجد ، و
ضعوا حارسا يحرس جسد طفل حتى لا ينزل الطفل من على الباب ، لم يصلى الناس ، وفي
الليل قتل الحارس ، والفجر صلى الناس ، وأما الطفل ، فقد نام قرير العين قرب الحاج عبدالله ، ليزوره ، ليسمع حكاياته ،
يقال ان الحاج عبدالله حج 7 مرات ، يقال انه مات وهو يريد الحج ، ولكن الذين لا
يرحمون ، لا يحبون الحج ، مات الحاج عبدالله وهو يريد الحج ، و بقربه ينام شمس
الدين .
دانيلوا شعره
احمر , وجهه احمر يمسك عصى تنفث الموت ،
يحرس كل شيء ، ولا يحرس شيء ، فتى صغير
يجيد اخافة الصغار بعصا تنفث الموت ، لا يمشي وحيدا لانه يعلم ان الموت
قريب من الذي يمشي وحيدا ، أتى من ارض الحمر لانه يريد ذلك الشيء ، يريده بكل
وجدانه ، يريده بأي ثمن ، أتى على سفينة ، لأرض الرجال السمر ، لأرض يضربون جباههم
بالأرض ليعبدون رب السماء .
دانيلوا يبكي
بعض الليالي لانه دخل ارض البرابره ، الناس الذين لا يعرفون شيء عن الحياة ، يجيدون الترنم من ورقات يمسكونها ،
ويبكون أحيانا وهم يترنمون بها ، ثم يترنمون مرة أخرى ، كأنها حكاية لا تنتهي .
لا ينام الليل
إلا نادرا ، هل الخوف يمنعه ، أم الطمع
الذي يعمي قلبه ، ربما نظرات فتى صغير يقال له شمس الدين مات وهو ينظر إليه .
كلمات يتبادلها
الاعراب ، ترانيم تجذب كل من يسمعها ، يرددونها وهم جلوس ، وهم يمشون ، وهم واقفون قبل ان يضربوا جباههم
بالأرض .
شمس الدين يمشي
بين البشر ، يراه أحيانا واقف مع المترنمين ، يراه أحيانا يموت ، يراه أحيانا على باب المسجد معلق ومقطع
الاوصال .
دانيلوا الكذاب
، هكذا صار يكنى بين الوجوه الحمراء , دانيلوا الاحمق ، دانيلوا المجنون ، حتى
القسيس حامل الصليب لم تفد كلماته في قتل شمس الدين مرة أخرى .
لماذا ، لأن شمس
الدين ميت . لم يعد يحمل سلاح ، لم يعد يحرس كل شيء رغم أنه لا يحرس شيء ، اصحب
ينادي بين البشر شمس الدين يصلي ، الأطفال الذين يخيفهم أصبحوا يخيفونه ، الناس
الذين كانوا أعداءه اصبحوا يطعمونه ، وأصحاب الوجوه الحمراء ، لم يعودوا أصحابه .
بعد سبعة أيام
من رحيل شمس الدين ، بعد سبعة أيام من جنون دانيلوا احترقت السفينة ، واحترق كل من
فيها ، إلا فتى مجنون يقال له دانيلوا ، لقد تبع شمس الدين إلى اليابسة ، ثم إلى
ارض حيث يرقد فتى قتل غدرا .
سأل دانيلوا شمس
الدين
_لماذا لا
تتركني وشأني ، لماذا لا تموت ؟
أشار شمس الدين
إلى البعيد بصمت يوازي صمت الكون كله
نظر الشاب صاحب الوجه الأحمر للبعيد ليرى شمعه وسط البحر ، رأى
شراره وسط البحر ، رأى ماكان يوما من الأيام سفينة وأصبحت شعلة وسط البحر .
لا أصوات تصل
للمقابر ، ولا احد يدخل لها في الليل سوى مجنون وشبح .
دانيلوا يعلم ما
آلت إليه السفينة ، ولكنه لا يعلم لماذا هو هنا ،
_ قلي لماذا
انا ؟
لماذا لست معهم ؟ لماذا لم تمت ؟
شمس الدين يبكي
بلا صوت ، فقط دموع تسيل من عيون فتى في
العاشرة ، من عيون شبح في العاشرة ، وشاب
مجنون يكلم سكون الليل ، ويخاطب الاشباح يريد ان يعرف لماذا لم يكن بين الأموات .
أصوات من بعيد
تتعالى ، أناس يحملون المصابيح ، أناس ينيرون الليل بالفنار.
دانيلوا بين
عشرات الوجوه رجال نساء أطفال ، يقيدونه ثم يسيرن به ، يترنمون يكبرون ، ولكنهم لا
يخيفونه ، لا يضربونه .
من بعيد وجوه
الحمر أصبحت سوداء ، أكلتها النار ،
وبعضها لم يعد موجودا ، لقد اصبح مع السفينة ، لقد اخذته السفينة معها ولم يأخذه
البحر للشاطئ .
عشرات القبور
على مد البصر دفنهم شاب قيل عنه مجنون ، عندها عرف الحقيقة ، عرف ما كان يريد ، عرف أن ما أتى لأجله لم يكن سوى الموت ،
_ لقد خرج من
بلاد الحمر من أجل الذهب ، لانه فقير يريد الذهب ، ومن أراد الذهب من الحمر قد ذهب
وبقي هوه والترانيم واناس يضربون جباههم بالأرض
بعد أن يترنموا .
لم يعد دانيلوا
مجنون فقد رحل شمس الدين ، وأنقذه رغم أنه
ميت .
يقال أن جبل
الشمس سمي سابقا على أسم شمس الدين ، ولكن مع الزمن زال اسم
الدين وبقي شمس ، وبقي قبر دانيلوا يترنم ويضرب بأرضه الأرض بعد ان يترنم ،
ويقرأ من ورقات ويبكي أحيانا .
_ لقد كان
الحمر بأرضنا ، أليس كذلك ؟
قالت مريم وهي
تنظر لعيني مباشرة ،
_نعم لكل أرض
حكاية ، وهذه حكاية من حكايات أرضك ، حكاية من حكايات قال الزمان عنها أنها
أنتهت .
كتبتها في هذا
اليوم المبارك ، يوم الجمعة
22-4-2016
تعليقات
إرسال تعليق