الفتاة ذات الشعر الاحمر _ قصة قصيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن الان في عام 1416 ه
الموافق لعام 2016 م
ترى ما هو اكثر ما يخيف البشر في حياتهم ؟
هل الموت ؟
هل المجاعة ؟
هل الجن ؟
هل اليتم ؟
هل فقد الحب ؟
هل فقر ؟
هل المرض ؟
هل ؟؟
هل؟؟
هل ؟؟
القائمة لا نهاية لها من المخاوف التي تتربص بنا في كل زاوية ، ولكن الشيء الذي لا مفر منه أن لنا تجربة مع الخوف في كل لحظة .
.
.
.
.
الفتاة ذات الشعر الأحمر
.
.
.
.
.
.
يقال أنك الموت بعينه .. هل هذا صحيح ؟
قالت الفتاة :
هل أنت ميت ؟
نظر ذلك الفتى إلى نفسه تحسس أطرافه ، تفحص ثيابه الممزقة ، تحسس الجرح الذي في رأسه ، تلمس قطرات الدم القليلة التي تعلقت بإصبعه .
ثم قال :
_ لا أدري ولكني أشعر بألم .. هل الأموات يشعرون بالألم ؟
قالت الفتاة :
_ نعم يشعرون بالألم ولكن ليس مثل هذا الألم الذي تعانيه ، إنه ألم من نوع آخر سوف تجربه بيوم من الأيام .
_ إذا أنا حي ولست ميت أليس كذلك ؟
قالت الفتاة وعلى صوتها مسحة من الحزن :
_ نعم أنت لا تزال على قيد الحياة .
نظر ذلك الفتى الصغير لما هو حوله ، مدينة رسمت بالفحم ، أحجار متفرقة ليست مصفوفة ولا مرتبة ، كانت تلك المدينة بيوم من الأيام أرض حية ، والآن هي مثل وجه تلك الفتاة حمراء الشعر ، ميتة لا يدل على وجود البشر سوى بعض الأضواء المنتشرة ، التي تراها بين فينة وأخرى ، أو صرخات استغاثة لا مجيب لها إلا صرخات استغاثة أخرى .
تلك الأرض ، ضربها زلزال ثم ثار بها بركان ثم جاءها طوفان ثم جاء من يدعي أنها أرضه التي ورثها عن أجداده ، قتل البقية الباقية من الأحياء بآلاف القنابل ، أحرق البشر قبل الحجر ، وأحرق قلوب الأمهات ، وأجساد الأطفال .
بين الدخان المتصاعد ورائحة البارود ، بين الأحجار التي كانت يوما من الأيام بيتا ، كانت دارا ، كانت مكان يجمع بشرا يسمون عائلة .
فتاة لا يظهر من ملاحمها سوى الشيء اليسير ، شعر ناري مثل تلك الشعلات المتفرقة هنا وهناك ، بيضاء قد غطى جسدها طين الشارع ، ودخان القنابل ، بعينان تحكيان لك ما كانت عليه أرضهم وما أصبحت الان .
السماء تتزين بنجوم تخبرك أن للكون صانع , الأرض سوداء فاحمة ، ورائحة الموت في كل زاوية ، الناس تأكل كل شيء .
وذاك الفتى فرح بأنه حي بعد نجاته من غارة جوية ، من قام بها ؟
لا يهم.
من بقي حيا هو الأهم .
هذه الفتاة هي الموت ، هي الحياة ، هي كل شيء ، الكل رآها ، ولكن لم يراها أحد ، الكل يؤكد على وجودها مثل طائر العنقاء ، ولكن لا احد استطاع رؤية العنقاء , الكل يقول أنها هناك مثل التنين هناك ، خلف الجبال ، ولكن لا أحد رأى تنين .
الفتاة هي اسطورة الموت التي يجتمع حول حكاياتها اهل سوريا ، وأهل العراق ، وأهل فلسطين ، وأهل أفغانستان ، وأهل اليمن ، ،،، هي حكاية الشعوب المقهورة من قبل الغربي الأشقر الذي يدعي التحرير ، وبعد كل غارة ، بعد كل مذبحة ، بعد كل هجمة ، بعد كل مجاعة ، بعد كل وباء ، وقبل ذلك لم تكن موجودة .
سألها الفتى :
_ من انت ؟
جلست .. مدت رجليها .. نظرت للسماء الزرقاء ، تلك السماء التي لم تعد تخفي النجوم خوفا من أضواء البشر ، لأن البشر ما عاد لهم نور .
_أنت تعرف من أكون ، كلكم تعرفون من أكون ، حكايتكم عني بعيونكم الخائفة لا تنتهي ، خوفكم مني لا ينتهي ، من بين صدوركم وبين شفاهكم تذكرون وجودي كأنني أنا الرحيل ، أنني أنا الوداع الذي ليس له لقاء ، تذكرونني وكلكم يصفني بالذي يخافه ، وكلكم تخافون .
نظر الفتى يمينا وشمالا كأنما تذكر شيء قد نسيه ، هم بالمشي لبضع خطوات لولا أن تكلمت الفتاة وقالت :
_ هم سيأتون .. فقط أنتظر هنا وسوف يأتون .
من بين الخرائب تقدمت طفلة صغيرة بثوب أزرق ممزق تجر لعبتها ، الطفلة مقطوعة اليد وقد فقدت نصف وجها ، الطفلة وضعت رأسها في حجر الفتاة و أغمضت عينها الباقية في صفحة وجهها الصغير .
جلس الفتى بهدوء كأنما يرى ، طفلة تحتمي بصدر أمها ، كأنه يرى صغير ينام على صدر والده ، كأنما سجود أمام باكي بين يدي خالقه .
شاب آخر تقدم وجلس بقرب الفتى ، قميصه مخضب بالدماء ، وقلبه مفقود ومكانه الهواء ، جلس وابتسم للفتى ، وضع يده على رأس الفتى وأخذ يداعب خصلات شعره ثم ينظر للسماء بسكون .
تكمل الفتاة وهي تتحسس وجه الطفل النائمة على فخذها
_ كلنا هنا زوار ، وكلنا راحلون ، منا من حان وقته وهناك من هو ينتظر ، كلنا نعلم وكلنا لا نعلم .
شيخ يتوكأ على عصاه يجلس بقرب الفتى ، إنه جد الفتى وهو سبب الذي أبقاه حيا ، ظهره لم يعد موجودا ، هذا كل ما يمكن به وصف ذلك الشيخ ،يجلس بقرب الفتى ويأخذ برأس الفتى ويضعه على صدره يضمه ، ثم يقبله .
الفتى لا يبكي ، ولكنه لا يبتسم ، كان يعلم ما آل إليه حال جده ، كان يعلم أن هنالك ثمن يجب أن يدفعه أحد ما ، ثمن لوقود الطائرة ، ثمن لحضن جده ، ثمن لبقائه حيا .
_ إننا هنا زوار ، ولكل زائر وقت للرحيل ، الطيور في زرقت السماء سترحل، الحيتان في ظلمات البحر سترحل ، وأنت يا فتى سيأتي لك وقت للرحيل ، نحن ندفع كل يوم ثمن رغباتنا ، كل يوم ندفع ثمن حياتنا ، لا يهم من تكون ، رحلتك لها نهاية .
حملت الفتاة الطفلة بين يديها ومضت في صمت وسكون مثل ظلمت الليالي ، مثل نسائم الصباح ، تبعها الشاب ، تبعها الشيخ الكبير ، وجلس الفتى وحيدا ، يراهم يرحلون ، يتركونه وحيدا خربا مثل ذلك الشيء بقربه الذي كان يسمى يوما من الأيام دار ، يسمى بيت ، يسمى عائلة ، دموعه تسيل ، وسكون الليل لا يخبر عن طائرة تحمل الموت ، ربما كانت تلك هي المرة الأولى التي تمنى فيها الفتى الموت .
تلك الفتاة رافقت أخوه ، أخته ، والديه ، جدته ، ولكنه لا يكرهها ، لا يحقد عليها ، فهي الحياة ، فهي الروح ، هي الوجود الذي يجب ندفع ثمنه .
تعليقات
إرسال تعليق